Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 6-6)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
تأمل هنا المقابلة التي تظهر الفرق وتضعك أمام مقارنة بين ما أعدَّه الله للمؤمنين من الجزاء وما أعده للمنافقين والكافرين ، والجمع بين المتقابلات أسلوبٌ من أساليب القرآن لكي تبدو المفارقة ، لذلك الشاعر العربي قال في وصف محبوبته : @ الوَجْه مِثل الصُّبْح مُبْيضّ وَالشَّعْر مثْلُ الليْلِ مُسْودّ ضِدَّانِ لَمََّا اسْتجْمَعَا حَسُنَا وَالضِّدّ يُظهِرُ حُسْنَهُ الضِّدُّ @@ ونلاحظ هنا أنه ذكر المنافقين والمنافقات قبل المشركين والمشركات في مقاساة العذاب ، نعم لأن المنافق أشد جُرْماً من المشرك ، المنافق ستر كفراً وأظهر إيماناً فتسلَّل إلى صفوف المؤمنين وانطوى تحت لوائهم ، وهو في حقيقته مشرك معاند يكيد للمؤمنين تحت ستار . أما المشرك فظاهره مثل باطنه وعداوته معروفة ، ومن اليسير أنْ تأخذ حذرك منه لذلك قال تعالى عن المنافقين : { إِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ فِي ٱلدَّرْكِ ٱلأَسْفَلِ مِنَ ٱلنَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً } [ النساء : 145 ] يعني : هم تحت المشركين وأدْنى منهم . وقوله تعالى : { ٱلظَّآنِّينَ بِٱللَّهِ ظَنَّ ٱلسَّوْءِ … } [ الفتح : 6 ] الظن : الحكم بشيء على غير حقيقة ، وحين تقول : أظن كذا يعني أنا غير مُتيقِّن منه . وأقلّ من الظن الوهم : لكن ما الظن الذي ظنوه ووصفه الله بأنه ظن السوء ؟ قالوا : إن محمداً لن ينتصر علينا أبداً ، وقد بيَّن الحق سبحانه هذا المعنى في قوله تعالى : { مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ ٱللَّهُ فِي ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى ٱلسَّمَآءِ ثُمَّ لْيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ } [ الحج : 15 ] . يعني : الذي يظن هذا الظن ليس أمامه إلا أنْ يمد حبلاً إلى السماء ويتعلق به كالمشنوق ، ثم ليقطع هذا الحبل ، وينظر هل يُذهِبَ هذا غيظه . وهذا الظن في الله سبحانه وتعالى ، وأول ظنهم في الله أنْ قالوا : ليس له وجود . وآخرون قالو : موجود وله شريك . وآخرون قالوا : القرآن ليس من عند الله بل من عند محمد . وآخرون أنكروا البعث والقيامة . وهذا كله ظَنُّ سَوْء بالله ، لذلك يقابله الحق سبحانه بعذاب أيضاً سوء فيقول : { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ … } [ الفتح : 6 ] والدائرة منطقة لها محيط مغلقة ، فكأنهم لا يقدرون على الإفلات منها لأنها محيطة بهم . وفي موضع آخر قال سبحانه : { وَٱللَّهُ مِن وَرَآئِهِمْ مُّحِيطٌ } [ البروج : 20 ] ليس هذا وفقط ، بل أيضاً { وَغَضِبَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَآءَتْ مَصِيراً } [ الفتح : 6 ] سبحان الله ، كم جمع عليهم من ألوان النكال والعذاب والغضب واللعنة ؟ ! الغضب انفعال يثير الغاضب على المغضوب عليه فينتقم منه ، الحق سبحانه وتعالى غنيٌّ عن الانفعال ، إنما يُحدِّثنا على قدر فهمنا ، وعلى قدْر ما في لغتنا من وسائل التعبير . { وَلَعَنَهُمْ … } [ الفتح : 6 ] طردهم من وساع رحمته وأبعدهم عنها ، ثم بعد ذلك تلعنهم الملائكة ويلعنهم اللاعنون { وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ … } [ الفتح : 6 ] أعدها بالفعل فهي موجودة الآن { وَسَآءَتْ مَصِيراً } [ الفتح : 6 ] وقوله : { عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ … } [ الفتح : 6 ] هي الجزاء الطبيعي لظنِّ السَّوْء الذي ظنوه بالله .