Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 2-2)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
النداء هنا أيضاً للذين آمنوا ، ألاَّ يرفعوا أصواتهم فوق صوت النبي في حضرته ، وكذلك لا يرفعوا رأيهم فوق رأيه ، ومن أدب الحديث عموماً ألاَّ ترفع صوتك ، لأن رفع الصوت فيه استعلاء ، أو على الأقل فيه مساواة ، فما بالك إنْ كان مُحدِّثك رسول الله ؟ . إذن : وجب عليك ألاَّ يعلو صوتك على صوته ، بل يكون صوتك أقلَّ وأخفت ، وتكلّمه بأدب وخشوع ، فكما آمنتَ به نبياً ورسولاً مبلِّغاً وقدمتَ رأيه على رأيك . فكذلك حين تُحدِّثه لا ترفع صوتك فوق صوته ، فصوته صلى الله عليه وسلم ينبغي أنْ يكون الأعلى ، لأنه الأوْلَى بالاستماع وبالاهتمام ، ونحن في حقبة من تاريخنا شاعتْ بيننا مقولة لا صوتَ يعلو فوق صوت المعركة لأن المعركة في هذا الوقت كانت هي الحل . والمعنى : لا يعلو صوتٌ على صوته . { وَلاَ تَجْهَرُواْ لَهُ بِٱلْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ … } [ الحجرات : 2 ] لا تنادوه كما ينادي بعضكم بعضاً ، فلا نقول : تعالى يا أحمد تعال يا محمد . بل نقول : يأيها النبي يأيها الرسول ، يا رسول الله ، لأن ربك الذي خلقك وخلقه وأرسله لك رسولاً خاطبه هكذا . في حين أنه تعالى خاطب كل الرسل بأسمائهم : يا آدم ، يا نوح ، يا إبراهيم ، يا موسى ، يا عيسى إلا محمداً صلى الله عليه وسلم لم يخاطبه باسمه إنما بوصفه يا أيها النبي يا أيها الرسول فإذا كان خالقه لم يدعه باسمه . إذن : وجب عليك أنْ تدعوه بهذه الوصف ، إلا إذا كنتَ أنت أعلى مقاماً من الذي خلقك والعياذ بالله . وقوله تعالى : { أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ … } [ الحجرات : 2 ] أي : خشية أنْ تحبط أعمالكم . يعني : تبطل وتفسد ، لماذا ؟ لأن الجهر لرسول الله بهذه الصورة أو رفْع الصوت عنده يُعد مخالفة للمنهج الذي جاء به . فرسول الله لم يأت بمنهج من عنده ، إنما هو مبلِّغ عن الله ، فمَنْ خالف في ذلك فقد خالف منهج الله واستحقَّ أنْ يحبط عمله ، ثم في إهانة الرسول إهانة لمن أرسله . وقوله : { وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ } [ الحجرات : 2 ] أي : يحبط عملك ويبطل وأنت لا تدري ، فهذه المسألة من الأشياء الدقيقة التي ينبغي التنبه لها ، فمع كونه صلى الله عليه وسلم بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ لكن لا تغرّنك هذه الصفات وتجعلك تساويه بغيره في النداء ، بل احتفظ له صلى الله عليه وسلم بمنزلته ومهابته وكرامته ، ولا تجعله مثلك في الخطاب ، مثل رجل يُدلل الخادم فيغتر الخادم بذلك ، حتى أن سيده يناديه فلا يجيب . لذلك الرجل العربي دخل على قوم لا يعرفهم ولا يعرفونه . فقال : السلام عليكم قوم حَسُنتْ أخلاقهم ، قالوا : وكيف علمت حُسْن أخلاقنا ؟ قال : عرفت حُسن أخلاقكم من سوء أخلاق عبيدكم ، أي : أنهم يُدلِّلون العبيد ولا يعاقبونهم . وقد ورد عن سيدنا أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال : " خدمت النبي صلى الله عليه وسلم ، فما قال لشيء فعلته : لم فعلته ؟ ولا لشيء تركته : لم تركته ؟ " . ثم يقول الحق سبحانه : { إِنَّ ٱلَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ … } [ الحجرات : 3 ] .