Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 9-9)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
كلمة { طَآئِفَتَانِ … } [ الحجرات : 9 ] مثنى طائفة وهي مفرد في اللفظ ، وإنْ دَّلتْ في واقعها على الجمع مثل كلمة قوم ، تُجمع طائفة على طوائف . وهذه الآية تقرر حكماً يتعلق بالحرب وضرورة الصلح بين الطائفتين المتحاربتين ، حتى لا تستمر الحروب بين المؤمنين بعضهم البعض . ونلاحظ هنا أن لفظ { طَآئِفَتَانِ … } [ الحجرات : 9 ] مثنى . والقياس أن يقول : اقتتلتا لكن القرآن جمعها فقال : { ٱقْتَتَلُواْ … } [ الحجرات : 9 ] لماذا ؟ قالوا : لأن الطائفة كتنظيم تتمثل في واحد ، هو رئيس هذه الطائفة ، لكن إذا دار القتال تقابل أفراد الطائفتين ، فالقتال بمجموع الأفراد . بدليل أنه لما تحدَّث عن الصلح عاد إلى لفظ المثنى ، فقال : { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا … } [ الحجرات : 9 ] لأن مجلس الصلح ليس بالضرورة أنْ يحضره جميع أفراد الطائفة ، بل ينوب عنهم شخص واحد يعقد الصلح . { فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَىٰ ٱلأُخْرَىٰ … } [ الحجرات : 9 ] أي : بعد أنْ تمّ الصلح وبغَتْ إحدى الطائفتين على الأخرى . يعني : تعدَّتْ وتجاوزتْ الحدَّ في العدوان ولم تحترم الصلح { فَقَاتِلُواْ ٱلَّتِي تَبْغِي … } [ الحجرات : 9 ] أي : لردعها { حَتَّىٰ تَفِيۤءَ … } [ الحجرات : 9 ] ترجع { إِلَىٰ أَمْرِ ٱللَّهِ … } [ الحجرات : 9 ] أي : إلى الحق . وهكذا أصبح لدينا ثلاث طوائف ، طائفتان اقتتلتا ، وطائفة تحكم بينهما بالصلح ، ذلك لأن المجتمع المؤمن في مجموعة مؤتمنٌ على هذه المهمة ، مهمة الحكم بين المتخاصمين ، ولديه ما يؤهله للعدل وعدم الميل أو اتباع الأهواء في عملية الصلح ، وإذا لم تتوافر هذه الشروط في الحكم لا يتم الصلح ، بل تتفاقم الأمور وتزيد تعقيداً . ويكفي أن صاحب الهوى والميل في الحكومة بين الطرفين يسقط من نظر الجميع ، حتى الفئة التي حكم لصالحها زوراً تمقته ، لذلك قالوا عن شاهد الزور : ترتفع الرؤوس على الخصم بشهادته ، وتدوس الأقدام على كرامته . وقوله تعالى : { فَإِن فَآءَتْ … } [ الحجرات : 9 ] أي : بعد القتال وعادتْ إلى الصواب ، فعودوا أنتم إلى الصلح { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِٱلْعَدْلِ وَأَقْسِطُوۤاْ … } [ الحجرات : 9 ] والمعنى : لا تتركوا الفئة التي فاءتْ إلى الحق دون أنْ تُصلحوا بينهما ، صحيح هي عادتْ إلى الحق لكن ما زال الخلاف قائماً فلا بدَّ من الصلح حتى لا تفرخ حرباً أخرى وتبقى جذور الخلاف تتأجج في الصدور فتشعل المعارك من جديد . إذن : منعنا المعركة أولاً ، ورددنا المظالم إلى أهلها ، ونزعنا فتيل الحرب . وكلمة { وَأَقْسِطُوۤاْ … } [ الحجرات : 9 ] من أقسط يُقسط فهو مُقْسط أي : اعدلوا بينهما { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُقْسِطِينَ } [ الحجرات : 9 ] العادلين ، وهناك قسَط يقسط فهو قاسط أي : جائر . ومنه قوله تعالى : { وَأَمَّا ٱلْقَاسِطُونَ فَكَانُواْ لِجَهَنَّمَ حَطَباً } [ الجن : 15 ] فالهمزة في أقسط همزة إزالة . أي : أزال الجور والظلم .