Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 104-104)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بل على الإنسان أن يلتفت إلى أن أول تغيير لمنهج الله كان من أحد الآباء الذين أصابتهم الغفلة . وقول الإنسان : إنما أتبع ما كان عليه آبائي ، هو قضية منقوضة لأن الذي غيّر أول تغيير لم يقل : { حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ } لأنه لم يقلد أباً له ، وأيضاً فمن المحتمل أن الآباء لم يعقلوا ما غيروه من منهج الله ولم يهتدوا إلى الحق . وفي موضع آخر من القرآن الكريم يقول تبارك وتعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ٱتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ } [ البقرة : 170 ] . إن الآية التي نحن بصدد خواطرنا الإيمانية عنها : { وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ } لم يقل الله فيها اتبعوا ولكن قال : تعالوا أي ارتفعوا كأنهم انحطوا وتسفَّلوا بقولهم : { حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ } إنهم بذلك يرفضون وينكرون كل ما يأتي إليهم من غير طريق تقليد الآباء ، فقد قفلوا الطريق وسدوه على أنفسهم . أما آية سورة البقرة : { بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءَنَآ } فيحتمل أن يقولوا : ونتبع كذلك ما جاء به الدين ، فالنكير أشد على من قال : { حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَآ } . وعلى هذا فالاستدراك من الله في كل آية من الآيتين جاء مناسبا لحالهم . كيف ذلك ؟ لأن الذي لا يعقل يمكن أن يعلم عن طريق شخص آخر استخرج واستنبط واكتشف ، فإنه إن فاته التعقل لم يفته أن يأخذ العلم من غيره ، أما الذي لا يعلم فقد باء ورجع بالجهل لأنه لم يصل إلى العلم بنفسه ، وكذلك لم يتعلم من غيره . وجاء - سبحانه وتعالى - بهمزة الإنكار لمسألة اتباع الآباء دون منهج الله . ونلحظ أن الحق جاء بعملية الهداية كأمر مشترك في الآيتين ، ذلك أن الهداية من السماء ، أما التعقل والعلم فهما عمليتان إنسانيتان . ويقول الحق من بعد ذلك : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } .