Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 115-115)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وساعة يقول الحق : " إني " فهو يستخدم نون الإفراد . ونعلم أن هناك أسلوبين لحديث الحق سبحانه عن نفسه . إنه ساعة يتحدث عن وحدانيته يأتي بنون الإفراد فيقول سبحانه : { إِنَّنِيۤ أَنَا ٱللَّهُ } [ طه : 14 ] . وساعة يتحدث سبحانه وتعالى عن سيال القدرة الشاملة العامة لكل صفات الكمال التي تتطلب إيجاد الشيء يأتي بنون التعظيم فيقول : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] . وهو سبحانه أراد هنا أن يعطينا معنى التوحيد فقال : { قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ } . ذلك أن المائدة ستنزل من السماء ، ولا يقدر على ذلك إلا الله وحده سبحانه وتعالى . ويتبع الحق ذلك بقوله : { فَمَن يَكْفُرْ بَعْدُ مِنكُمْ فَإِنِّيۤ أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لاَّ أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِّنَ ٱلْعَالَمِينَ } . فسبحانه يرسل رسله بعد أن يجتبيهم ، وإياك أيها العبد أن تقول : إن فلاناً بذاته من الرسل أفضل من فلان لأن الحق هو الأعلم برسله : { ٱللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ } [ الأنعام : 124 ] . وعلينا أن نتبع الرسل ، وعندما حاول بعض من أهل الجاهلية التعجب من شأن القرآن الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم كما يخبر القرآن الكريم في قوله تعالى : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ الزخرف : 31 - 32 ] . وقال أهل الجاهلية : لماذا لم ينزل القرآن على رجل عظيم من مكة أو من الطائف ؟ ! قالوا ذلك استهزاء بشأن محمد صلى الله عليه وسلم . وقال الحق سبحانه وتعالى في ذلك القول الفصل ، فليس لأحد أن يختار الرسول لأن الرسول مُصطفى من الله ، ولا يملك أحد من البشر أن يختار رسولاً من أصحاب السلطان أو الجاه . وسبحانه وتعالى يعد كل رسول الإعداد اللائق لمهمته ، ومقام الرسالة والنبوة هو الأعلى في الدنيا والآخرة . والحق سبحانه - وهو المنظم لأمور خلقه - قسّم الموّاهب - رحمة منه - فيما بين العباد ليتساندوا ويتآزروا ويحتاج كل منهم إلى عمل الآخر . وحين يرسل سبحانه رسولاً فهو يختار الآية المناسبة له وللعصر الذي جاء فيه ، وما اقترح قوم آية وجاء بها الله ، ثم لم يؤمن الذين اقترحوا الآية بعد مجيئها إلاّ أنزل الحق سبحانه بهم العذاب الأليم . وحين يطلب اتباع الرسول آيات معينة ، إنما يحمل هذا الطلب في طياته التفلّت والتحلل من الالتزام بمنهج الله ، كأن الذين يطلبونها يصرون على الكفر بالرسول على الرغم من طلبهم الآية ، ولذلك يقول الحق سبحانه : { وَمَا مَنَعَنَآ أَن نُّرْسِلَ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا ٱلأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ ٱلنَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِٱلآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً } [ الإسراء : 59 ] . وكذلك اقترح قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتيهم بآيات غير آيات القرآن ، على الرغم من أن آيات القرآن تقنع كل من له عقل يفكر وقلب يحس ، وسنة الله مع الذين يطلبون الآيات ثم لا يؤمنون بها واضحة وهي العذاب الشديد ، ومثال ذلك قوم ثمود الذين طلبوا ناقة للدلالة على صدق رسالة صالح عليه السلام ، وعندما حدثت المعجزة كفروا بها فعاقبهم الله شر العقاب . وبعض من قوم الرسول صلى الله عليه وسلم غالوا في طلب آيات غريبة : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 90 - 93 ] . وكان محمد صلى الله عليه وسلم رحيماً بآله وعشيرته ، لذلك لم يطلب من الحق آيات غير التي أنزلها الله عليه ، وعيسى عليه السلام دعا بأدب الرسل أن ينزل المائدة . واختلف العلماء أأنزل الحق سبحانه وتعالى المائدة أم لم ينزلها ؟ إن هناك من تمسكوا بقول الحق سبحانه : { قَالَ ٱللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا } ، وهناك من قالوا : إن الحق سبحانه وضع شروطاً لنزول المائدة ، وهو إنزال العذاب بهم إن لم يؤمنوا ، فتراجعوا عن طلب إنزالها ومن قالوا بنزول المائدة اختلفوا في مواصفاتها ، فمنهم من قال : إن المائدة نزلت وعليها سمكة مشوية من غير فلوس وقشور ولا شوك فيها . ذلك أنها مائدة من السماء ومعها خمسة أرغفة ، وعلى كل رغيف شيء مما يعرفون : رغيف عليه عسل ، وآخر عليه زيتون ، وثالث عليه سمن ، ورابع عليه جبن ، وخامس عليه قديد من اللحم . ومن بعد ذلك يقول الحق سبحانه : { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ … } .