Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 16-16)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ومادام الله هو الذي يهدي فسبحانه منزه عن الأهواء المتعلقة بهم ، وهكذا نضمن أن الإسلام ليس له هوى . لأن آفة من يشرع أن يذكر نفسه أو ما يحب في ما يشرع ، فالمشرع يُشترط فيه ألا ينتفع بما يشرع ، ولا يوجد هذا الوصف إلا في الله لأنه يشرع للجميع وهو فوق الجميع . { قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ، يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ } إنَّ من اتبع رضوانه يهديه الله لسبل السلام ، إذن ففيه رضوان متبع ، وفيه سبل سلام كمكافأة . وهل السلام طرق وسبل ؟ . نعم لأن هناك سلام نفس مع نفسها ، وهناك سلام نفس مع أسرتها ، هناك سلام نفس مع جماعتها ، هناك سلام نفس مع أمتها وهناك سلام نفس مع العالم ، وسلام نفس مع الكون كله ، وهناك سلام نفس مع الله ، كل هذا يجمع السلام . إذن فسُبل السلام متعددة ، والسلام مع الله بأن تنزه ربك أيها العبد فلا تعبد معه إلهاً آخر ، ولا تلصق به أحدا آخر … أي لا تشرك به شيئا ، أو لا تقل : لا يوجد إله . ولذلك نجد الإسلام جاء بالوسط حتى في العقيدة جاء بين ناس تقول : لا يوجد إله ، وهذا نفي وناس تقول : آلهة متعدة الشَّر له إله ، والخير له إله ، والظلمة لها إله ، والنور له إله ، والهواء له إله ، والأرض لها إله ! ! إن الذين قالوا بالآلهة المتعددة : استندوا على الحس المادي ونسي كل منهم أن الإنسان مكون من مادة وروح ، وحين تخرج الروح يصبح الجثمان رمّة ولم يسأل أحدهم : نفسه ويقول : أين روحك التي تدير نفسك وجسمك كله هل تراها ؟ ، وأين هي ؟ . أهي في أنفك أم في أذنك أم في بطنك أين هي ؟ ، وما شكلها ؟ . وما لونها ؟ . وما طعمها ؟ . أنت لم تدركها وهي موجودة . إذن فمخلوق لله فيك لا تدركه فهل في إمكانك أن تدرك خالقه ؟ . إن هذا هو الضلال . فلو أُدْرِك إِلهٌ لما صار إلهاً لأنك إن أدركت شيئاً قدرت على تحديده ببصرك ، ومادام قد قدرت على تحديده يكون بصرك قد قدر عليه ، ولا ينقلب القادر الأعلى مقدوراً للأدنى أبداً . وحينما أراد الله أن يذلل على هذه الحكاية قال : { وَفِيۤ أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [ الذاريات : 21 ] انظر في نفسك تجد روحك التي تدير جسدك لا تراها ولا تسمعها ومع ذلك فهي موجودة فيك ، فإن تخلت عنك صرت رمة وجيفة ، فمخلوق لله فيك لا تقدر أن تدركه ، أبعد ذلك تريد أن تدرك مَنْ خَلَقَ ؟ إن هذا كلام ليس له طعم ! والاتجاه الآخر يقول بآلهة متعددة لأن هذاالكون واسع ، وكل شيء فيه يحتاج إلى إله بمفرده ، فيأتي الإسلام بالأمر الحق ويقول : هناك إله واحد لأنه إن كان هناك آلهة متعددة كما تقولون ، فيكون هناك مثلا . إله للشمس وإله للسماء وإله للأرض وإله للماء وإله للهواء ، حينئذ يكون كل إله من هذه الآلهة عاجزا عن أن يدير ويقوم على أمر آخر غير ما هو إله وقائم عليه ولنشأ بينهم خلاف وشقاق يوضح ذلك قوله تعالى : { لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ } [ المؤمنون : 91 ] فإله الشمس قد يفصلها عن الكون ، وإله الماء قد يمنعه عن بقية الكائنات ، ويحسم الحق الأمر فيقول : { قُلْ لَّوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذاً لاَّبْتَغَوْاْ إِلَىٰ ذِي ٱلْعَرْشِ سَبِيلاً } [ الإسراء : 42 ] ويقول سبحانه : لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا . إذن فالنواميس التي تراها أيضاً محكومة بالإله الواحد ، ويأتي الرسول ليقول لك : هناك إله واحد ، ويبلغنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا إله إلا الله ، و " لا إله " نفت أنه لا آلهة أبداً . وبعدها قال : إلا الله ، وهذه من مصلحة الإنسان حتى لا يكون ذليلاً وخاضعاً وعبداً لإله الشمس أو لإله الهواء أو لإله الماء . وقال الحق : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً رَّجُلاً فِيهِ شُرَكَآءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِّرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً } [ الزمر : 29 ] فربنا يريد أن يريحنا من " الخيْلة " ، والوهم والاضطراب والتردد … إنه إله واحد ، وعندما يحكم الله حكماً فلا أحد يناقضه ، وسبحانه يهدينا بما يشرعه لنا لأنه سبحانه ليس له هوى فيما يشرع لأن معنى الهوى أن تجعل الحركة التي تريدها خادمة لك في شيء ، والله لا يحتاج إلى أحد لأنه خلق الوجود كله قبل أن يخلق الخلق ، وليس لأحد ممن خلق - مهما أوتي من العلم ورجاحة العقل أن تكون له قدرة أو أي دخل في عملية الخلق أو تنظيمه . { يَهْدِي بِهِ ٱللَّهُ مَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوَانَهُ } ، مادام قد اتبع رضوانه فيهديه إلى سبل السلام ، إذن فإن هناك هدايتين اثنتين : يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ، وقال في آية أخرى : { وَٱلَّذِينَ ٱهْتَدَوْاْ زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقُوَاهُمْ } [ محمد : 17 ] فإياك أن تظن أن التقوى لن تنال ثوابها وجزاءها إلا في الآخرة لأنه كلما فعلت أمراً وتلتفت وجدت آثاره في نفسك ، تصلي تجد أمورك خَفَّت عن نفسك ، فلا ترتكب السيئة في غفلة من الناس ، قلبك لا يكون مشغولاً بأي شيء ، ويحيا المؤمن في سلام مع نفسه أبداً . إذن فسبل السلام متعددة : سبل السلام مع الله ، سبل السلام مع الكون كله ، سبل السلام مع مجتمعه ، سبل السلام مع أسرته ، سبل السلام مع نفسه . ويقول الحق : { وَأَنَّ هَـٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ } [ الأنعام : 153 ] إذن فهناك سبل سلام وسبل ضلال . وفي هذه الآية يقول الحق : { وَيُخْرِجُهُمْ مِّنِ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ، والظلمات هي محل الاصطدام ، وعندما يخرجهم من الظلمات إلى النور يرون الطريق الصحيح الموصل إلى الخير ، والطريق الموصل إلى غير الخير . وبعدما يخرجون من الظلمات إلى النور تكون حركاتهم متساندة وليست متعاندة ، ولا يوجد صدام ولا شيء يورثهم بغضاء وشحناء ، أو المراد أنّه يهديهم إلى الصراط المستقيم وهو الجنة . ويقول الحق من بعد ذلك : { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ … } .