Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 23-23)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهما رجلان يخالفان النكوص عن أمر الله ، بينما بنو إسرائيل - كمجموع - لم يفهموا عن الله حق الفهم لأنهم لو نفذوا أمر الله لهم بالدخول إلى الأرض المقدسة ولم ينكصوا لمكنهم الله من ذلك . لكن لم يفهم عن الله فيها إلا رجلان . وهما كالب ، ويوشع بن نون ، أحدهما من سبط يهوذا والآخر من سبط افرايم ، وهما ابنا يوسف عليه السلام ، فقد قالا : مادام الله قد كتب لكم الدخول ، فهو لا يطلب منا إلا قليلاً من الجهاد . فحين يأمر الله الإنسان بعمل من الأعمال ، فيكفيه أن يتوجه إلى العمل اتجاهاً والمعونة من الله . وسبحانه يقول للعبد : " أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني . فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأٍ ، ذكرته في ملأ خير منهم ، وإن تقرّب إليّ بشبر تقربت إليه ذراعاً ، وإن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً ، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة " . فإذا كان الشأن في المشي أن يتعب الذاهب والسائر ، فالله لا يريد أن يرهق بالمشي من يقصده ويطلبه لذلك يُهرول فضله ورحمته - سبحانه - إلى العبد . فالرغبة الأولى أن يكون العمل لك أنت أيها العبد . ومن عظائم فضل الله أنه فعل ونسب إليك . وسبحانه يسعد بالعبد الساعي إليه . وأضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - لنفترض أنك أردت أن تمسك سيفاً ، لماذا لا تحلل المسألة ؟ . السيف الذي تمسكه ، صنعته من الحديد ، والحديد استخرجته من الأرض . والحق قال : { وَأَنزَلْنَا ٱلْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ } [ الحديد : 25 ] إن الحق هو الذي أنزل الحديد ، وهو الذي علمنا كيف نصقل الحديد ونشكله بالنار : { وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ } [ الأنبياء : 80 ] وأنا أريد من علماء وظائف الأعضاء أن يحددوا لنا ساعة أن يمسك الإنسان بشيء وليكن السيف . فبأي عضلة يمسك الإنسان السيف ؟ . وكيف يأمرها الإنسان بذلك ؟ . وكم عضلة وكم خلية عصبية تحركت من أجل أداء هذا الفعل ؟ . على الرغم من أن الإنسان بمجرد إرادته أن يمسك شيئاً . فهو يمسك به . والإنسان إذا ما مشى خطوة واحدة ، فبأي العضلات بدأ المشي . إن الإنسان عندما يحرك ذراعاً آلياً في جهاز آلي يصمم عشرات الوصلات والأدوات والدورات الكهربية من أجل تحريك ذراع آلي ، فكم إذن من عضلات في الإنسان تتحرك بالسير لخطوة واحدة ؟ إن الكثير جداً من أجهزة الإنسان تتحرك بالسير لخطوة واحدة . إن الكثير جداً من أجهزة الإنسان تتحرك لمجرد الإرادة منه ! ! . فإذا كانت إرادة الإنسان تفعل لمجرد أن يريد سواء أكانت هذه الإرادة هي الإمساك بالسيف أم حتى المشي لخطوة واحدة ، أم حتى الإمساك بالقلم بين الأصابع للكتابة . فليعلم الإنسان أن الإرادة عطاء من الله والإنسان لا يستطيع تحديد مواقع إرادته من جسده فما بالنا بالحق حين يريد أمراً ؟ ولنعد إلى الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها الآن : { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمَا ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [ المائدة : 23 ] لقد أنعم الله على هذين الرجلين بحسن الفهم عن الله ، فقالا لبني إسرائيل : ساعدوا أنفسكم بدخول هذه الأرض وسينصركم الله . ومثل الرجلين كمثل الأم التي طلب منها ابنها أن تدعو له بالنجاح ، فقالت الأم لابنها : سأدعو لك ولكن عليك فقط أن تساعد الدعاء بالإقبال على الاستذكار . وكأن الخوف من مخالفة أمر الله نعمة على هذين الرجلين ، وكأن الفهم عن الله لعباراته نعمة . { ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ } كأنهم بمجرد الدخول سيغلبون هؤلاء العمالقة . فلم يطلب منهم قتال هؤلاء العمالقة . بل ساعة يراهم القوم الجبارون يدخلون عليهم فجأة فسوف يذهلهم الرعب . وهم عندما نسجوا الأساطير حول هذه القصة قالوا : إن أحد هؤلاء العمالقة واسمه عوج بن عناق خرج إلى بستان خارج المدينة ليقطف بعض الثمار لرئيسه فخطف اثنين من هؤلاء الناس وخبأهما في كمّه ، وألقاهما أمام رئيسه وهو يقدم الفاكهة إليه وقال الرجل العملاق لرئيسه : هذان من الجماعة التي تريد أن تدخل مدينتنا . هذه هي المبالغة التي صنعها خوفهم من هؤلاء العمالقة ، برغم أن رجلين منهما أحسنا الفهم عن اللَّه بقولهما : { ٱدْخُلُواْ عَلَيْهِمُ ٱلْبَابَ } لأن هذا هو مراد الله ، وهو الذي يحقق لهم النصر . وبعض المفسرين قالوا في شرح هذه الآية : إن الرجلين اللذين قالا ذلك ليسا من بني إسرائيل لأن هؤلاء المفسرين فهموا القول الحكيم : { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ } قالوا هما رجلان من الذين يخاف منهم بنو إسرائيل ، وقالا لبني إسرائيل : لا يُخيفكم ولا يُرهبكم عظم أجسام هؤلاء فإن جنود الله ستنصركم : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ } [ المدثر : 31 ] ويختتم الحق الآية بهذا التذييل : { وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوۤاْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } أي لا تتوقفوا عند حساب العدد في مواجهة العدد ، والعُدة في مواجهة العُدة ، ولكن احسبوا الأمر إيمانياً لأن اللَّه معكم { إِن تَنصُرُواْ ٱللَّهَ يَنصُرْكُمْ } . وهو سبحانه القائل : { وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 173 ] وعلى المؤمن باللَّه أن يضع هذا الإيمان في كف قوته . فإن كان هؤلاء الناس من بني إسرائيل المأمورين بدخول تلك الأرض مؤمنين بحق فليتوكلوا على اللَّه . فماذا قال هؤلاء القوم : { قَالُواْ يَامُوسَىۤ … } .