Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 22-22)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

كيف إذن يعلنون هذا التمرد على أمر الحق ؟ . وكيف علموا أن فيها قوماً جبارين ؟ . ولنا أن ننتبه إلى أن الحق قد قال من قبل : { وَبَعَثْنَا مِنهُمُ ٱثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً } [ المائدة : 12 ] فقد ذهب النقباء أولاً وتجسسوا ونقبوا وعرفوا قصة هذه الأرض المقدسة ، وأن فيها جماعة من العمالقة الكنعانيين . وساعة رأوا هؤلاء القوم ، قالوا لأنفسهم : هل سنستطيع أن نقاوم هؤلاء الناس ؟ إن ذلك أمر لا يصدق لذلك لن ندخلها ما داموا فيها . إذن فقد تخاذلوا وارتدوا على أدبارهم . { قَالُوا يَامُوسَىٰ إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ } . وساعة أن تسمع كلمة " جَبَّار " تجدها أمراً معنوياً أُخذ من المحسات فالجبارة هي النخلة التي لا تطولها يد الإنسان إذا أراد أن يجني ثمارها . وعندما تكون ثمار النخلة في متناول يد الإنسان حين يجني ثمارها فهي دانية القطوف ، أما التي لا تطولها يد الإنسان لحظة الجني للثمار فهي جَبَّارة لذلك أخذ هذا المعنى ليعبر عن الذي لا يقهر فسمي جباراً ، وقد يكون الجبار مُكرِهاً ولكن على الإصلاح ، وفي بلادنا نطلق على من يصلح كسور العظام " المجبراتي " . أي أنه يجبر العظام على أن تعود إلى مكانها الطبيعي . وقد يتألم الإنسان من ذلك ، ولكن في هذا إصلاح لحياة الإنسان . و " الجَبَّار " اسم من أسماء الله لأنه سبحانه يَقْهَر ولا يُقهَر . وقد يُكرهنا سبحانه وتعالى حتى يصلحنا . ويختبرنا بالابتلاءات حتى يمحصنا وتستوي حياتنا . إذن فـ " الجبار " صفة كمال في الحق لأنه يستعمل جبروته في الخير ويقهر الظالمين والمعاندين والمكابرين ، وذلك لمصلحة الأخيار الطيبين . وهو سبحانه وتعالى لا يُقهَر . فعندما يكون في صف جماعة فإن أحداً لا يغلبهم ، أما الجبار كصفة في الخلق فهي مذمومة لأن التجبر هنا بدون أصالة كالبناء الأجوف . فالمتجبر قد يصيبه قليل من الصداع فيرقد متوجعاً . إننا نرى أمثلة لذلك في حياتنا ، نجد المتجبر يصاب بأزمة قلبية فيحمل على نقالة إلى المستشفى ، ونجد جباراً آخر يصاب بقليل من المغص ، فيجري وهو ممسك ببطنه فيضحك عليه الأطفال . ويقولون له ما معناه : العب بعيداً فلست جباراً ولا فتوة ولا أي شيء . والجبار إن أراد أن يكون كذلك فعليه أن يكون صاحب رصيد مستمر ، فلا تراه يوماً غير جبار . ولا يكون التجبر صفة ذاتية إلا لله سبحانه وتعالى . ويقول الحق : { وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا } وساعة نسمع " لن " تسبق الفعل فلنعرف أنها للنفي . والنفي قد يأخذ زمناً طويلاً ، وقد يأخذ زمناً تأبيدياً . والفرق بين الدخول فقط والدخول التأبيدي ، أن الدخول الأول له زمن ينهيه ، والدخول الثاني لا زمن له لينهيه كدخول المؤمنين الجنة . وإذا عين الدخول بغاية كقولهم : { وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىٰ يَخْرُجُواْ مِنْهَا } أي أن النفي التأبيدي مرتبط بغاية وهي خروج القوم الجبارين . والتأبيد هنا إضافي لأنهم قالوا : إنهم لن يدخلوا الأرض في مدة وجود الجبارين . { فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ } ونقول : وهل الأمم التي تخطو إلى الشر وتمارسه يمتنع فيها وجود عناصر الخير ؟ . لا لأن الحق يبقي بعضاً من عناصر الخير حتى لا ينطمس الخير ، وهذا ما يوضحه الحق في بني إسرائيل عندما قالوا لموسى هذا القول ، فقد خالفهم رجلان منهم : { قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ ٱلَّذِينَ … } .