Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 36-36)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحق سبحانه تحدث من قبل عن العقوبات والقصاص والتقتيل والتقطيع ، ثم ينقلنا من هذا الجو إلى أن نتقي الله ونبتغي إليه الوسيلة ونجاهد في سبيله حتى نفلح ، وكان لا بد أن يأتي لنا الحق بالمقابل ، فالعقاب الذي جاء من قبل كقصاص وقتل هو عقاب دنيوي . ولكن ما سيأتي في الآخرة أدهى وأمرّ . { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَّا فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ ٱلْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } [ المائدة : 36 ] ولنا أن نتصور الجماعة الكافرة التي تتكبر في الدنيا ويعتلون ويرتفعون بالجبروت ، فماذا عن موقفهم يوم القيامة ؟ . لقد أقمتم الجبروت بقوَّتكم على غيركم ، وها هي ذي القُوّة تضيع وتفلت . لقد كانت القوة تعيش معكم في الدنيا بالأسباب الممنوحة من الله لكم . ولم تَضنّ عليكم سُننْ الله أن ترتقوا ، وسبحانه قد خلق السُنَن ومن يبحث في أسباب الله ، ينلْ نتيجة ما بذل من جهد ، لكن ها هوذا يوم القيامة ، وها أنتم أولاء تعرفون أن الأسباب ليست ذاتية . وأن قوَّتكم لم تكن إلا عطاءً من الله . ها أنتم أولاء أمام المشهد الحيّ ، فلو أن ما في الدنيا جميعاً معكم وحتى ولو كان ضعف ما في الدنيا وتريدون أن تقدِّموه فِدْيَةً لكم من عذاب جهنم فالله لا يتقبله ، وتلك قِمِّة الخِزْي ، ولن يستطيعوا تخليص أنفسهم من عذاب جهنم . وهذا المشهد يجعل النفس تستشعر أن المسألة ليست لعباً ولا هزلاً ، ولكن هي جِدّ في منتهى الجِدّ . وعلى الإنسان أن يقدِّر العقوبة قبل أن يستلذّ بالجريمة . والذي يجعل الناس تستَشري في الإسراف على أنفسهم ، أن الواحد منهم يعزل الجريمة عن عقوبة الجريمة . ولو قارن الإنسان قبل أن يسرف على نفسه العقوبة بالجريمة لما ارتكبها . وكذلك الذي يكسل عن الطاعة لو يقارن الطاعة بجزائها لأسرع إليها . وأضرب هذا المثل - ولله المثل الأعلى - نفترض أن إنساناً في صحراء نظر إلى أعلى الجيل ورأى شجرة تفاح ، واسْتَدَلّ على التفاح بأن رأى تُفاحة عَطبة واقعة على الأرض ، وقال الرجل لنفسه : هأنذا أرى مصارع الناس فهذا يصعد إلى الجبل فيقع من على حافته . وذلك تهاجمه الذئاب . وثالث يتوه عن الطريق . كل ذلك على أمل أن في الشجرة ثماراً . ولا بد لي من أن أختار الطريق السليم إلى الثمار . والطريق إلى ثمار الدنيا الطاعة لمنهج الله ، وهو الطريق إلى ثمار الآخرة . وأيضاً : الطالب المجتهد الذي يتغلب على النعاس ويتوضأ ويُصلّي ويخرج إلى مدرسته في برد الشتاء ليحصل الدروس . ويعود إلى المنزل لتقدّم له أمه الطعام ، ولكنه مشغول بالدرس . إن هذا الشاب يستحضر نتيجة هذا الجُهد لذلك فكل تعب في سبيل التعلُّم صار سهلاً عليه ، ولو أهمل ونام ولم يقم مبكراً إلى المدرسة ، وإن استيقظ وخرج من المنزل ليتسكع في الطرقات مع أمثاله يكون في مثل هذه الحالة غير مُقدِّر للنتيجة التي تقوده إليها الصَّعْلَكة . والعيب في البشر أنهم يعزلون العمل عن نتيجته ، ويفصلون بين الجريمة وعقوبتها ، والطاعة عن ثوابها . إنّنا لو وضعنا النتيجة مقابل العمل لما ارتكب أحد معصية ولا أهمل أحد في طاعة . ولنا أن نتصور مشهد الجبارين في الدنيا وهم في نار الآخرة ، عم بطشوا في الدنيا ونهبوا ، ولنفترض أن الواحد منهم قد امتلك كل ما في الدنيا - على الرغم من أنّ هذا مستحيل - وفوق ذلك أخذ مثل ما في الدنيا معه ويريد أن يقدمه افتداء لنفسه من عذاب جهنم فيرفضه الحق منه { مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } وتلك هي قمة الخزي التي يجب أن يبتعد عنها الإنسان . وبعد ذلك يقول الحق : { يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ … } .