Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 59-59)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

و " قُلْ " هي خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم . وحين يخاطب الحق الرسول ، فالخطاب أيضاً لأمته صلى الله عليه وسلم ، فنقول نحن أيضاً : { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } [ المائدة : 59 ] . و " نَقَم يَنْقِم " أي كره مني أن أفعل هذا ، فلماذا تكرهون إيماننا يا أهل الكتاب ؟ هل الإيمان مما يكره ؟ وجاء الحق هنا بسؤال لا يقدرون على الإجابة عنه ، فنحن آمنا بالله وبرسله وما أنزله علينا وما أنزل من قبل ، فما الذي يُكره في هذا ؟ وأبلغ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم اليهود أننا نؤمن بالله وبالرسل ومنهم سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام ، فغضبوا منه كثيراً . فكيف يكره أهل الكتاب إيمان المسلمين بالله ؟ مثال ذلك عندما يدعوك إنسان إلى تصرف غير مستقيم أو إلى الذهاب إلى مكان مشبوه فترفض ذلك يكرهك هذا الإنسان ، فتقول له : أتكره في سلوكي أن أكون مستقيماً ؟ ونعلم أن الإنسان الأمين هو ثروة لمن يعرفه والذي يستحق النقمة والكراهية هو الفعل الضار ، أما الإيمان بالله فهو أمر محبوب لأنه يُعلم الإنسان الأدب مع كل خلق الله ، ويعلم الإنسان الحفاظ على أعراض الناس ، ويعلم الإنسان ألاَّ يعتدي على أموال ودماء الناس ولا يغتاب الناس ، ولا يرتشي ، وأن يخلص في العمل وألا يكذب في ميعاد ، فأي شيء في هذا يستحق الكراهية ؟ إذن ، فمن يكره إنساناً لأي سبب من هذا فهو كره بلا منطق ، وكان من الواجب أن يكون سبب الكره سبباً للمحبة . وقد يأتي من يقول لك : ليس في فلان من عيوب إلا كذا . وقد يورد سبباً معقولاً . ولكن لا يقول أحد أبداً : لا عيب في فلان إلا أنه شهم لأن الشهامة لا يمكن أن تكون عيباً ، كأن القائل قد أعمل ذهنه حتى يكتشف عيباً ، لم يجد إلا صفة رائعة ، وقال عنها : إن كنت تعتبر هذه الصفة عيباً فهذا هو عيبه . ويسمون ذلك من أساليب الأداء الأدبي عند العرب وهو تأكيد المدح بما يشبه الذم ، فيقول قائل : لا عيب في فلان إلا كذا . وساعة يسمع السامع هذا يظن أن العيب الذي سيورده هو صفة قبيحة فيفاجأ بأنها خصلة جميلة . وبذلك يؤكد القائل المدح بما يشبه الذم : { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } . أنتم تقولون : إنكم أهل كتاب وعندكم التوراة ، وكان يجب أن تعلموا كيف يشذب الإيمان النفوس ويدفع عنها الشر لأن لكم سابقة في الإيمان ، فقد آمنتم بالله وبالرسل السابقين على موسى وآمنتم بموسى ، والمسلمون آمنوا بالله وآمنوا بما أنزل إليهم وآمنوا بالرسل ومنهم موسى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم فكيف يُكره ذلك ؟ وإن كان هذا مما يُكره فعلينا كمؤمنين أن نسألكم : لماذا تنكرون علينا ذلك ؟ لا شك أنكم تنكرون علينا إيماننا بالله لأنها قضية غير واضحة في أذهانكم . ولو كانت واضحة في أذهانكم ما كرهتم إيماننا . إذن فمسألة الإيمان بالله غير مستقرة في وجدانكم كأهل كتاب بدليل أنكم تكرهون من آمن بالله ، ودليل ذلك أنكم أنزلتم الله منزلة لا تليق بكماله ، فجسمتموه وقلتم : { حَتَّىٰ نَرَى ٱللَّهَ جَهْرَةً } [ البقرة : 55 ] . وقلتم : { إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } [ آل عمران : 181 ] . وقلتم : { يَدُ ٱللَّهِ مَغْلُولَةٌ } [ المائدة : 64 ] . إذن فأنتم تكرهون لنا أن نؤمن بالله إيماناً يليق بكمال الله لأنكم لم تؤمنوا بالله صحيح الإيمان ، ولو طابق إيماننا إيمانكم ما كرهتمونا . وكذلك لم تؤمنوا بالكتب بدليل أنكم حرفتموها . ولم تؤمنوا بالرسل لأنكم وقفتم من عيسى عليه السلام هذه المواقف . إذن فأنتم تنقمون منا وتكرهون أموراً لا تُكره عند الطبع السليم ، وهذا دليل على أن طبعكم هو المختل . وإذا كنتم تكرهون هذا الإيمان فماذا تملكون لمن تكرهون ؟ لا قوة لكم لتفعلوا لنا أي شيء . ولكن حين يكرهكم الله فماذا يفعل بكم ؟ إنكم حين تكرهوننا لا تملكون قدرة لعقابنا ، لكن الذي يكرهكم هو الله وعنده القدرة المقتدرة لينتقم لنا منكم . إذن فكراهيتكم لنا لا قيمة لها . وإذا كنا نجاريكم ، والمجاراة لون من جدال الخصوم فماذا يعنيكم من كوننا مؤمنين ؟ مثال ذلك أن يتهمك إنسان بأنك بخيل فتقول له : هب أنني بخيل فعلاً فماذا يعنيك من هذا ؟ وهذا ما نسميه مجاراة الخصوم لذلك نقول لأهل الكتاب : هب أن لكراهيتكم لنا رصيداً وأنكم تستطيعون إيذاءنا ، فلكم شر من هذا وهو عقاب الله ، وسنرى ماذا سيحدث لكم عندما يكرهكم الله . وهو قادر على كل شيء . وعلى فرض أن إيذاءكم لنا هو شر ، فالأكثر فاعلية هو عقاب الحق لكم لأنه عندما يكرهكم يقدر أن يعاقبكم بما شاء . إذن فالصفقة - صفقة كراهيتكم لنا - خاسرة من ناحيتكم . ولذلك قال الحق : { قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِّن … } .