Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 63-63)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

والربانيون هم الذين يُنسبون إلى الرب في كل تصرفاتهم ، وكذلك الأحبار الذين يعرفون الدين ، ولا هؤلاء ولا أولئك ينهون هؤلاء الناس من أهل الكتاب عن ارتكابهم الإثم وأكلهم السحت ، فكيف يُنصَّبُ هؤلاء الربانيون والأحبار أنفسَهم قادة للضمير الديني دون أن يقوموا بواجبهم بوعظ الناس ؟ وفي هذا تأكيد على أن الربانيين والأحبار إنما يريدون فقط سلطة الهيمنة على الناس . والربانيون هم رؤساء النصارى ، والأحبار هم رؤساء اليهود . وكان من بين اليهود والنصارى من تتملكه شهوات أكل السحت والظلم وقول الإثم ، فلماذا لم يتحرك المنسوبون إلى الله للنهي عن ذلك وهم الذين أخذوا حظهم في الدنيا من أنهم منسوبون إلى حماية منهج الله من انحرافات البشر ؟ . ألم يكن من واجبهم نهي الظالمين والآثمين عن الظلم والإثم ؟ إن الذي يظلم له شهوة في أن ينتفع من الظلم ، أما أنتم أيها الربانيون والأحبار فلماذا لا تتحركون لوقف ذلك ؟ لا شك أنهم قد أمتلأوا سروراً من هذا الإثم وذلك العدوان وأكل السحت ، ومبعث سرورهم أن الواحد من هؤلاء لو كان سليماً في تصرفاته وأحكامه لغار على المنهج ، لكنه يقبل الانحراف لأن من مصلحته أن ينحرف غيره حتى لا يلومه أحد . وجاء الحق بـ " لولا " في أول هذه الآية تحضيضية أي يقصد بها الحث على الفعل … أي كان يجب أن ينهاهم الربانيون والأحبار عن أكل السحت وقول الإثم والعدوان . ثم تتجلى دقة الأداء القرآني - كما هو دائماً - في قوله الحق : { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } . ونذكر أن تذييل الآية السابقة قال فيه الحق عن سلوك العامة من أهل الكتاب : { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ، إذن فالحق يفرق بين بئس عن صناعة وبئس عن عمل . وبئس الربانيون والأحبار هو بئس الصناعة . ونعلم أن كل جارحة من جوارح الإنسان لها حدث خاص بها : فالعين حدثها أن ترى ، والأذن حدثها السمع ، واليد اللمس ومناولة الفعل ، والرِّجل تسعى ، واللسان مجال عمله الكلام . والجوارح تنقسم إلى قسمين : اللسان وحدثه القول ، وبقية الجوارح أحداثها أفعال ، بدليل أن الله يقول : { كَبُرَ مَقْتاً عِندَ ٱللَّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لاَ تَفْعَلُونَ } [ الصف : 3 ] . إذن فالقول مقابله الفعل . والقول عمل ، والفعل عمل . وما دام هناك قول وفعل من عامة أهل الكتاب في ذلك المجال لذلك يقول الحق : { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } . وقال عن الربانيين والأحبار : { لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } لإيضاح الفرق بين من يعمل ومن يصنع ، فمن فُتق ثوبه وجاء بإبرة وخيط ليصلحه ، فهو خائط ، ولكن الذي يحترف ذلك هو " الخيَّاط " فصاحب الحرفة هو من يأخذ وصفها لأنه يجيدها ، أما الذي يمارسها لمرة واحدة فلا يأخذ من الصنعة إلا بقدر ما يدل على أنه لم يتقنها . وكان الربانيون والأحبار قد اتخذوا أمر الدين والكهنوت صناعة بتجويد كبير . وذلك هو الذي جعل السلطة التقنينية في العالم كله تنتقل من منهج السماء إلى منهج الأرض . وحينما نرجع إلى تاريخ القانون نجد أن الأصل في التقنين كان من الكهنة الذين كانوا منسوبين إلى الله وخبر السماء ، وهم الذين كانوا يحكمون بين الناس ، لكنهم أفسدوا ، ورأى المجتمع أنهم يحكمون في قضية بحكم ، ثم في قضية مشابهة يحكمون بنقيض الحكم السابق ، وأنهم ارتشوا في سبيل ذلك ، وما يزوا بين الناس ، وعرف الناس أن الكهنة غير مأمونين على العدالة لذلك تركوا الكهنة وبدأوا يضعون قوانين خاصة بهم بعيدة عن حكم الكهنة . وهكذا انتقلت المسألة من تقنينات وحكم الكهنة إلى المجتمع الذي لم يعد يتمسك بالدين بسبب انحرافات أحكام الكهنة عن العدل وأنهم باعوا الأحكام لصالح من يدفع أكثر ، أو يحكمون لصاحب النفوذ . وهكذا صارت المسألة صناعة لهم . وبئست تلك الصناعة . ومن بعد ذلك يقول الحق : { وَقَالَتِ ٱلْيَهُودُ … } .