Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 62-62)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والمسارعة في الإثم تعني أنهم من بداية الأمر في الإثم ، ويسارعون فيه ، أي أنهم كانوا على أولية الإثم ويجرون إلى آخرية الإثم ، فَضَلاَلُهم واضح من البداية ، وكأن خلقهم الكفر يفضحهم ، برغم محاولتهم كتمان ذلك . ويجدون أنفسهم مسارعين إلى فعل الإثم ، أي أن عملهم ينزع إلى الكفر ، ويجعلهم الحق يغفلون عن الكتمان ، فتبدو منهم أشياء هي أكثر فضيحة من القول ، ذلك أن الإثم مراحل : مرحلة قول ، ومرحلة فعل . والفعل أكثر فضحاً من القول . { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } ويقول الحق : { كَثِيراً مِّنْهُمْ } صيانة لاحتمال أن يوجد الإيمان في قلب القليل منهم ، وذلك لتبرئة أي إنسان يفكر في الإيمان . وهم أيضاً يسارعون في العدوان ، فإذا كان الإثم هو الجُّرم على أي لون كان ، فالعدوان هو إثم يأخذ به إنسان حقاً لغيره ، مثال ذلك الإنسان الذي يحقد ، إثمه لنفسه ولذلك يعاني من تضارب الملكات حتى يبدو وكأنه يأكل بعضه بعضاً . إن الحقد - كما نعلم - جريمة نفسية لم تتعد الحد . ويقال عن الحقد : إنه الجريمة التي تسبقها عقوبتها ، عكس أي جريمة أخرى ، فأي جريمة تتأخر عقوبتها عنها إلا الحقد والحسد ، فتنال عقوبة الحقد صاحبها من قبل أن يحقد لأن الحاقد لا يحقد إلا لأن قلبه ومشاعره تتمزق عندما يرى المحقود عليه في خير . ولذلك يقال في الأثر : " حسبك من الحاسد أنه يغْتّم وقت سرورك " . إذن من يرتكب إثماً في نفسه لا يتعدى أثر إثمه إلى غيره ، أما الذي يرتكب العدوان فهو ينقل حق إنسان إلى غيره . وهو قسمان هناك من يعتدي ليعطي حقا لغير ذي حق . وهناك من يعتدي بالسكوت على الظالم ، فالظالم تتملكه شهوة الظلم ، لكن من يرى الظالم ويسكت ولا ينهاه فهذا عدوان أيضاً لأن الظالم عنده وفي نفسه ما يدفعه إلى أن يظلم ، أما الشاهد الذي يصمت فليس عنده في نفسه ما يدفعه إلى أن يُسكته . فمن - إذن - الأكثر شراً ؟ إنه الذي يصمت عن تنبيه الظالم إلى أنه يظلم . { وَتَرَىٰ كَثِيراً مِّنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } نلحظ أن كلمة " سارع " مثلها مثل كلمة " نافس " تدل على أن هناك أناساً في سباق كأنهم يتسابقون على الإثم والعدوان ، كأن الإثم والعدوان غاية منصوبة في أذهانهم ، ومتفقة مع قلوبهم . { وَأَكْلِهِمُ ٱلسُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } والسحت هو كل مال مصدره حرام ، سواء أكان رشوة أمْ ربا أم سرقة أم اختلاساً أم خطفاً أم اغتصاباً ، كل تلك الألوان وما ماثلها من السحت إنها أخذ لحق الغير . وأخذ حق الغير له صور متعددة ، فإن أخذه أحد خفية فتلك هي السرقة . وإن سارع إنسان لخطف شيء من بضاعة إنسان آخر فهذا هو الخطف . وإذا لحق به صاحب البضاعة وتجاذبا وتشادَّا فهذه المجاذبة تخرج بالخطف إلى دائرة الغضب . وإن كان الإنسان أميناً على شيء وأخذه فهذا هو الاختلاس ، وكل ذلك أكل مال بالسحت . وبئس هذا اللون من العمل . ويقول الحق بعد ذلك : { لَوْلاَ يَنْهَاهُمُ ٱلرَّبَّانِيُّونَ … } .