Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 68-68)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
و " قل " - كما نعرف - هي خطاب له صلى الله عليه وسلم ، وما يلي ذلك بلاغ من الله لأهل الكتاب إنهم بلا منهج لأنهم لم يقيموا التوراة والإنجيل بل حرفوهما ، ولم يؤمنوا بالقرآن ، وهو المنهج الكامل المنزل على محمد بن عبدالله . وحين يقول الحق : { لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ } فكلمة " شيء " تقال لأدنى فرد من أي جنس ، فالقشة شيء ، وورقة الشجرة شيء ، وما يطلق عليه شيء - إذن - هو الأقل . وقوله الحق : { لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ } أي إياكم أن تظنوا أنكم حين تقومون بتنفيذ جزء من تعاليم التوراة والإنجيل وتخفون الباقي وتهملونه تكونون قد أخذتم شيئاً من الهداية ، لا فأنتم لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وتؤمنوا بالكتاب الذي أنزل على محمد ، والمنهج ليس عرضة لأن تأخذوا منه ما يعجبكم وأن تتركوا ما لا يعبجكم . وعندما يقال : { لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ } . ونعرف أن الشيء هو أقل مرتبة في الوجود ، ولذلك نقول : شيء خير من لا شيء . ويقال بالعامية : هاش خير من لاش و " هاش " هو الهالك من ثياب المنزل الممزقة ، أي أن الذي يملك ملابس ممزقة أفضل ممن لا يملك شيئاً على الإطلاق . وقوله الحق : { لَسْتُمْ عَلَىٰ شَيْءٍ حَتَّىٰ تُقِيمُواْ ٱلتَّوْرَاةَ وَٱلإِنْجِيلَ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ } هو إيضاح لهم أنهم في المرتبة الأدنى من الكائنات لأنهم بلا منهج . ويضيف : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً } أي أنهم لن يظلوا على درجة واحدة ثابتة من الطغيان والكفر ، بل كلما أنزل الحق إليك آية يا محمد ، وكلما نصرك الله في أمر ازدادوا هم طيغاناً وكفراً . وكان من المفروض أن زيادة نزول الآيات لرسول الله صلى الله عليه وسلم تكون إضعافاً لتشددهم وترقيقا لقلوبهم ، لكنه سبحانه أراد أن تشتد شراستهم ووحقدهم في أمر الاعتراف بالإسلام . وقد حدث من خالد بن الوليد وكان فارس الجاهلية ضد الإسلام أن قال لعمرو ابن العاص : لقد استقر الأمر لمحمد . واتجه الاثنان إلى الإسلام على الرغم من أن كلا منهما يعرف قوته ومكانته بين قومه . وبعد أن رأى خالد وعمرو أن الخيبة هي نصيب الواقف ضد محمد مهما علا شأنه . ذهبا إلى الإسلام ، وهذا هو موقف المتدبر للأمر دون حقد ولَدَد . أما الذي يزدحم بالمعاناة حقداً ولدداً فتزيده آيات الله لنصرة منهجه حقداً ولدداً وطيغاناً لأن الله شاء ألا يهديهم . ولذلك تصير كل آية في صف الإيمان والمؤمنين مصدرَ إثارةٍ وغيظ ومرارة في نفوس أهل الكفر . وهكذا يوطن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره تجاه هؤلاء الكفار . إنك يا رسول الله لا تواجه طاقة محدودة ولكنك تواجه طاقة من الشر النامي . وكل آية إنما تهدي الذي في أعماقه بذرة من خير ، أما الذي ينتفي الخير من داخله فالمسألة تزيده شراسة في قلبه . إن الشرير يُصَعِّد الشر ويزداد جُرمه وإثمه ، أما الخير فينزل من قِمّةِ الجرم إلى أقل درجة . ولنا المثل في قصة سيدنا يوسف عليه السلام ، فالحق يقول على لسان إخوة يوسف : { لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ يوسف : 8 ] . ومن بعد ذلك قالوا لأبيهم : { مَا لَكَ لاَ تَأْمَنَّا عَلَىٰ يُوسُفَ } [ يوسف : 11 ] . ثم أخذوا في التبييت والتدبير وقالوا : { أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ } [ يوسف : 12 ] . وكان أول تدبير لهم هو ما قاله الحق حكاية عنهم : { ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ } [ يوسف : 9 ] . ومعنى القتل هو إزهاق الروح . وهذه أعلى درجات الشر ، لكنهم يتراجعون عنها ويقولون : { أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً } [ يوسف : 9 ] . فهم لم يرغبوا في قتله ، واكتفوا بأن يتركوه في مكان بعيد ، وتصوروا أن بعض السيارة قد يلتقطه فيبعدون يوسف عن أبيه . إذن هم بدأوا التدبير قتلاً ، ثم انتهوا بالتفكير لنجاة يوسف : { ٱقْتُلُواْ يُوسُفَ أَوِ ٱطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ } [ يوسف : 9 ] . والمرحلة الثالثة قولهم : { وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ ٱلْجُبِّ } [ يوسف : 10 ] والجب فيه مياه ، وهناك أناس كثيرون يذهبون إلى مصادر المياه . هكذا يورد الحق لنا كيفية نمو الخير من بطن الكيد . إذن ، فقوله الحق : { وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُمْ مَّآ أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً } أي أن الكثير منهم سيواصل رحلة التصعيد في الشر ، فوطن نفسك يا محمد على ذلك . ونلحظ أن الحق قد وضع صيانة لاحتمال أن تفكر قلة منهم في الإيمان ، لذلك لم يشملهم كلهم بالحكم ، ولكن الحكم شمل الكثرة من هؤلاء الكافرين . ولذلك يقول الحق لرسوله : { فَلاَ تَأْسَ عَلَى ٱلْقَوْمِ ٱلْكَافِرِينَ } أي لا تحزن عليهم يا رسول الله . فعلى الرغم من عداوة وشراسة من صادموا دعوته صلى الله عليه وسلم ومحاولتهم كل تلك المحاولات ، كان لا يكف عن الدعاء لهم : " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " . وكان لا يكف عن القول : " لعل الله يخرج من أصلابهم من يعبد الله " . وقد تم ذلك بالفعل . وكان الصحابة بعد الغزوات الأولى يقول كل منهم للآخر : أنا حزين لأن عمراً أفلت مني ولم أقتله . فيقول الآخر : وأنا حزين لأن عكرمة أفلت مني . ويقول الثالث : وأنا لا أدري كيف أفلت منا خالد بن الوليد . ولم يمكن الحق الصحابة الأوائل من هؤلاء المقاتلين الأشاوس لأنه يدخرهم للإسلام ، فكان عدم تمكين المسلمين من هؤلاء تمكيناً للإسلام ليحملوا السيف للإسلام مدافعين وناشرين لدعوته . وها هوذا عكرمة بن أبي جهل يتلقى الطعنة الأخيرة في حياته فيضع رأسه على فخذ خالد بن الوليد ويسأله : أهذه ميتة ترضى عني رسول الله ؟ إذن فقد أراد الله من عدم تمكين المسلمين منهم في أوائل الغزوات أن يكونوا جنداً للإسلام بقدراتهم القتالية فاستبقاهم أحياء ليخدموا الدعوة . ويقول الحق بعد ذلك : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } .