Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 69-69)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هم - إذن - أربعة ألوان من الذين لم يؤمنوا برسالة رسول الله . وهذه الآية وردت في صورتها العامة ثلاث مرات ، مرة في سورة البقرة ، ومرة هنا في سورة المائدة ، ومرة في سورة الحج . ففي سورة البقرة يقول الحق : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ البقرة : 62 ] . ولنلحظ أن كلمة " الصابئين " في هذه الآية منصوبة . وفي سورة المائدة نجد قول الحق : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئُونَ وَٱلنَّصَارَىٰ مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ المائدة : 69 ] . ولنلحظ أن كلمة " الصابئون " هنا مرفوعة ومقدمة على كلمة " النصارى " . وفي آية سورة الحج يقول الحق : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلصَّابِئِينَ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلْمَجُوسَ وَٱلَّذِينَ أَشْرَكُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ الحج : 17 ] . هنا إخبار عن أربعة ، وزاد الحق عليهم اثنين في آية الحج ، ونجد أن الإخبار يختلف ، وكذلك يختلف الأسلوب ، فمرة تتقدم النصارى على الصابئين ، ومرة تتقدم الصابئون على النصارى ، ومرة تكون الصابئون مرفوعة ، ومرة تكون منصوبة بالياء . وأما اختلاف الإخبار ، فهو سبحانه يخبرنا في سورة البقرة فيقول : { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ البقرة : 62 ] . والخبر في سورة المائدة هو : { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وعَمِلَ صَالِحاً فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ } [ المائدة : 69 ] . والخبر في سورة الحج هو : { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ الحج : 17 ] . والآيات الثلاث في مجموعها تتعرض لمعنى واحد ، ولكن الأساليب مختلفة وكذلك الغايات فيها مختلفة . ونلحظ هنا أن الحق قال : " آمنوا " والإيمان هنا هو الإيمان اللفظي أي بالفم وليس بالقلب ، والمتصفون بذلك هم المنافقون والذين هادوا ، هم أتباع موسى ، والنصارى هم أتباع عيسى ، والصابئون ليسوا أتباعاً لأحد فقد كانوا أتباعاً لنوح ثم صبأوا عن ديانة نوح وعبدوا الكواكب ، أو هم قوم عدلوا عن اليهودية والنصرانية وعبدوا الملائكة . والمجوس وهم عبدة النار . إذن الحق يريد أن يجري تصفية إيمانية في الكون ، فمن يبادر ويدخل في هذه التصفية . يسلم من شر ما فعله قبل مجيء الإسلام ، ذلك أنهم أضلُّوا أناساً أو حكموا بالظلم . والحق في سورة البقرة يقول : { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } [ البقرة : 62 ] أي أنه - سبحانه - غفر لهم ما فعلوا من سوء وجزاهم على عملهم الصالح الذي لم يحبطوه ويذهبوه بعمل السيئات والآثام . هذا ما يتعلق بالآيتين … آية سورة البقرة ، وآية سورة المائدة ، ونلاحظ أن آية سورة المائدة لم يرد فيها قوله : { فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ } [ البقرة : 62 ] ولعل ذلك راجع إلى الاكتفاء بذكرها في سورة البقرة ، وذلك له نظير في القرآن الكريم . كحمل المطلق على المقيد ونحو ذلك . أما في آية سورة الحج فهي التي يأتي فيها الحكم : { إِنَّ ٱللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ ٱلْقِيامَةِ } [ الحج : 17 ] كأنهم لن يؤمنوا ولن يعملوا الصالح ، فتكون هذه هي التصفية العقدية في الكون . وقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصفي المسألة الإيمانية في الأرض ويقول عن المؤمنين بألسنتهم وهم المنافقون : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } وهو ابتداء الخبر ، وتكون فيه " الذين آمنوا " في محل نصب لأنه اسم " إن " كما يقول النحاة ، وهو سبحانه قال هنا : و " الصابئون " وهي معطوفة على منصوب . وهذا كسر للإعراب . إنّ الإعراب يقتضي أن تكون الكلمة منصوبة فتكون " الصابئين " لماذا إذن عدل الحق عن إنزال الكلمة حسب سياقها من الإعراب وأنزلها بكسر الإعراب مع أنه في آية أخرى قال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَٱلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلنَّصَارَىٰ وَٱلصَّابِئِينَ } . لقد جاءت هنا في مكانها ودون كسر للإعراب ، وهي قد جاءت مرة قبل كلمة " النصارى " وجاءت مرة أخرى بعد كلمة " النصارى " . وهنا لا بد أن نتعرف على زمنية الصابئين ، فقد كانوا قوماً متقدمين قبل مجيء النصرانية ، فإن أردنا أن نعرف زمانهم نجد القول الحق يقدمهم على النصارى ، وإن أردنا أن نعرف منزلتهم فإننا نقرؤها في موضع آخر في القرآن ونجدهم يأتون بعد " النصارى " . إذن فعندما أرّخ الحق لزمانهم جاء بهم متقدمين ، وعندما أرّخ لكمّهم وعددهم ومقدارهم يؤخرهم عن النصارى لأنهم أقل عدداً فهم لا يمثلون جمهرة كثيرة كالنصارى . وجاء بها الحق مرة منصوبة ومرة مرفوعة ، لنعرف ونلتفت إليهم . وكسر الإعراب كان لمقتضى لفت الانتباه . وكان الصابئة قوماً يعبدون الكواكب والملائكة ، وهذا لون من الضلال . إذن فهناك اليهود الذي عرفوا أن هناك إلهاً ، وجاء موسى عليه السلام مبلغاً عنه ، وهناك النصارى الذين عرفوا أن هناك إلهاً ، وجاء عيسى ابن مريم - عليه السلام - مبلغاً عنه ، وهناك المنافقون الذي أعلنوا الإيمان بألسنتهم ولكن لم يلمس الإيمان قلوبهم . وأراد الحق أن يلفتنا إلى أن الصابئين هم قوم خرجوا عن دائرة التسليم بوجود إله خالق غيب ، ويحدثنا الحق أنه يغفر لهم إن آمنوا وعملوا صالحاً . فالإيمان بالله شرط أساسي لقبول العمل الصالح والإثابة عليه . وجاء بهم متقدمين على النصارى احتراساً وتوقيا من مظنة أنه لا يعفو عنهم إن آمنوا وعملوا العمل الصالح . ونلحظ أنها جاءت أيضاً في معرض جمع الله فيه بينهم وبين من يعبدون أغياراً من دون الله لأن من يلصق ألوهية بغير الله يكون كمن عبد الكواكب وخرج عن التوحيد . إنه سبحانه وتعالى يتيح لكل إنسان أن يدخل حظيرة الإيمان ويقيم تصفية عقدية يدخل فيها الكل إلى رحاب الإيمان ويقطعون صلة لهم بالشرك . فلو آمن المنافقون واليهود والنصارى والصابئون وعملوا الصالحات فلهم الأجر والمثوبة من الله ولا خوف عليهم من عذاب الآخرة ولا يحزنون على ما فاتهم من الدنيا ، وجاء العمل الصالح بعد الإيمان لأن الإيمان إذا لم يقترن بعمل صالح يكون عرضة للسلب والعياذ بالله ولا فائدة فيه ، وسبحانه يريد أن يسيطر الإيمان على حركة الحياة بالعمل الصالح فيأمر كل مؤمن بصالح العمل حتى يكون لهم الأجر عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون . أما الذين يصرّون على موقفهم الكفري ، فإن الله يفصل بينهم يوم القيامة لأنه على كل شيء شهيد . وكلمة " يفصل " تدلنا على أنه سبحانه وتعالى سيصدر الحكم الذي يبين صاحب الحق من غيره . ونعرف أن الذي يحكم إنما يحكم ببينة . والبينة هي الإقرار ، والإقرار - بلغة القانون - سيد الأدلة . أو الحكم بشهود . أو الحكم باليمين ، وهو سبحانه يفصل بين المواقف المختلفة . والفصل هو القضاء بحكم . وعندما يكون الذي يحكم هو الذي شهد ، فهو العادل . لذلك قال الحق : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [ الحج : 17 ] . ويقول الحق بعد ذلك : { لَقَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ … } .