Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 72-72)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وهناك ثلاث آيات تتعرض لهذه المسألة : { لَقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ هُوَ ٱلْمَسِيحُ ٱبْنُ مَرْيَمَ } . والآية الثانية : { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } [ المائدة : 73 ] . والآية الثالثة : { وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ } [ المائدة : 116 ] . إذن فالخلاف في المسألة جاء على ثلاث صور : طائفة تقول : المسيح هو الله . وطائفة تقول : إن المسيح هو إله مع اثنين آخرين . وطائفة تقول : إن المسيح هو وأمه إلهان . ولكل طائفة رد . والرد يأتي من أبسط شيء نشاهده في الوجود للكائن الحي ، فالإنسان - كما نعرف - سيد الكون والأدنى منه يخدمه . فالإنسان يحتاج إلى الحيوان من أجل منافعه ، وكذلك يحتاج إلى النبات والجماد ، هذا السيد - الإنسان - يحتاج إلى الأدنى منه . والحق سبحانه وتعالى أراد أن يرد على تأليه سيدنا عيسى وسيدتنا مريم ، فقال : { كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ } [ المائدة : 75 ] . وهذا استدلال من أوضح الأدلة ، لا للفيلسوف فحسب ولكن لكل المستويات ، فماداما يأكلان الطعام فقد احتاجا إلى الأدنى منهما . والذي يحتاج إلى الأدنى منه لا يكون الأعلى ولا هو الواحد الأحد . والمتبعون لهذه الفرق الثلاثة مختلفون . والحق سبحانه وتعالى يقول : { وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ } [ النساء : 171 ] وكلمة { ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } تستعمل على أنه واحد من ثلاثة لكنه غير معين . فكل ثلاثة يجتمعون معاً ، يقال لكل واحد منهم إنه { ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ } . وليس هذا القول ممنوعاً إلا في حالة واحدة ، أن نقول : ثالث ثلاثة آلهة لأن الإله لا يتعدد . ويصح أن نقول كلمة : " ثالث اثنين " لأن الله يقول : { مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ } [ المجادلة : 7 ] . إذن فمن الممكن أن نقول : هو رابع ثلاثة ، أو خامس أربعة أو سادس خمسة . وهو الذي يصير الثلاثة به أربعة أو يصير الأربعة به خمسة أو يصير الخمسة به ستة . إننا إن أوردنا عدداً هو اسم فاعل وبعد ذلك أضفناه لما دونه ، فهذا تعيين بأنه الأخير . فإن قال قائل : الله رابع ثلاث جالسين فهذا قول صحيح . لكن لو قلنا إنهم آلهة . فهذا هو المحرم ، والممنوع لأن الإله لا يتعدد . ويلاحظ أن الحق لم يقل : ما يكون من نجوى اثنين إلاّ هو ثالثهم لأن النجوى لا تكون إلا من ثلاثة ، فإن جلس اثنان معاً فهما يتكلمان معاً دون نجوى لأن النجوى تتطلب ألا يسمعهم أحد . والنجوى مُسَارَّةَ ، وأول النجوى ثلاثة ، ولذلك بدأها الحق بأول عدد تنطبق عليه . فإن قلت : " ثالث ثلاثة " فهذا قول صحيح إن لم يكونوا ثلاثة آلهة . والحق أراد أن يدفع هذا القول بالبطلان حين قال : { كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ } [ المائدة : 75 ] . والطعام مقوم للحياة ومعطٍ للطاقة في حركة الحياة لأن الإنسان يريد أن يستبقي الحياة ويريد طاقة ، والطعام أدنى من الإنسان لأنه في خدمته ، فإذا ما كانا يأكلان الطعام فهما في حاجة للأدنى . وإن لم يأكلا فلا بد من الجوع والهزال . ولذلك فهما ليسا آلهة . بعضهم يقول : { كَانَا يَأْكُلاَنِ ٱلطَّعَامَ } هي كناية عن شيء آخر هو إخراج الخبث . ونقول : ليس إخراج الخبث ضرورياً لأن الله سيطعمنا في الجنة ولا يخرج منا خبث . فهذا ليس بدليل . ويرتقي الحق مع الناس في الجدل ، فاليهود قالوا في المسيح - عليه السلام - ما لا يليق بمكانته كنبي مرسل وقالوا في مريم عليها السلام ما لا يليق باصطفائها من الحق . واليهود إذن خصوم المسيح . وأنصار المسيح هم الحواريون ! فإذا كان لم يستطع أن يصنع من خصومه ما يضرهم ولا مع حوارييه ما ينفعهم فكيف يكون إلهاً ؟ والنص القرآني يقول عن مريم : { يٰمَرْيَمُ ٱقْنُتِي لِرَبِّكِ وَٱسْجُدِي وَٱرْكَعِي مَعَ ٱلرَّاكِعِينَ } [ آل عمران : 43 ] . والمسيح نفسه كان دائماً مع الله خاشعاً عابداً . والذي يعبد إنما يعبد من هو أعلى منه فالإله لا يعبد ذاته . وإذا كان هذا قول من ينتسبون إلى السماء إيماناً بإله وإيماناً بمنهج ، فماذا عن قول الذين لا ينتسبون إلى السماء من الملاحدة الذين ينكرون الألوهية ؟ إذن كان من الواجب أن يؤمن المنسوبون إلى السماء بواسطة مناهج وبواسطة أنبياء وأن يصفوا هذه المسائل فيما بينهم . وعلى سبيل المثال كان العالم موجوداً ومداراً قبل المسيح فمن إذن كان يدير العالم من قبل ميلاده ؟ ولذلك أراد الحق سبحانه جل جلاله أن يحسم الموقف . والقرآن يعلمنا : { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ سبأ : 24 ] . أيمكن أن يكون المتناقضان محقين ؟ لا لأن أحدهما لا بد أن يكون على هدى ولا بد أن يكون الآخر على ضلال . ولذلك نقول : كلامكم لا يلزمنا وكلامنا لا يلزمكم . ونفوض الأمر إلى الإله الذي نؤمن به . وحتى نصفي هذه المسألة نذكر قول الحق : { نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ } [ آل عمران : 61 ] . ونقول : اجعل لعنتك على الكاذبين . حتى تخرجنا من هذا الخلاف ولا تجعل واحداً منا يسيطر على الآخر ، فأنت صاحب الشأن ، فها نحن أولاء بأنفسنا ونسائنا وأولادنا ندعو دعاءً واحداً : اجعل لعنة الله على الكاذبين منا . وما تلاعن قوم وابتهلوا إلا وأظهر الله المسألة في وقتها . ولم يقبل أحد من أهل الكتاب هذه المباهلة ، والحق يقول : { لَّقَدْ كَفَرَ ٱلَّذِينَ … } .