Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 5, Ayat: 85-85)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

إنها كلمة الحق التي تقال في كل مكان وزمان . قالها نجاشي الحبشة وله سلطان لأهل الجاه من قريش الذين استبد بهم باطلهم لذلك كان لهذه الكلمة وزنها ، فعندما سمع ما نزل من القرآن من سورة مريم قال : إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة . إذن فهي كلمة حق لها وزن ، والله سبحانه وتعالى يجزل العطاء لكل من ساند الحق ولو بكلمة فهو سبحانه الشكور الذي يعطي على القليل الكثير ، و المحسن الذي يضاعف الجزاء للمحسنين . ولنا أن نعرف أن للقول أهمية كبرى لأنه يرتبط من بعد ذلك بالسلوك . وكان قول النجاشي عظيماً ، لكن العمر قد قصر به عن استمرار العمل بما قال . فقد قال كلمته وجاءه التوكيل من رسول الله ليعقد للرسول على أم حبيبة بنت أبي سفيان فعقد عليها وكيلاً عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأمهرها من ماله ثم مات ، ولم تكن أحكام الإسْلام قد وصلت إليه ليطبقها لذلك كان يكفيه أنه قال هذا القول ، ولذلك صلى عليه النبي صلاة الغائب . وهناك قصة " مخيريق " اليهودي . لقد تشرب قلبه الإسلام وامتلأ به وكان في غاية الثراء فقال لليهود : كل مالي لمحمد وسأخرج لأحارب معه . وخرج إلى القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقتل فمات شهيداً ، وهو لم يكن قد صلى في حياته كلها ركعة واحدة . إذن مجرد القول هو فتح لمجال الفعل . { فَأَثَابَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } والحق يريد أن يؤكد لنا أن كل حركة إيمانية حتى ولو كانت قولاً إنما تأخذ كمالها من عمرها . ونعلم أن الإيمان في مكة كان هو الإيمان بالقول . ذلك أن الناس آمنت ولم تكن الأحكام قد نزلت ، فغالبية الأحكام نزلت في المدينة . وعلى ذلك أثاب الله المؤمنين لمجرد أنهم قالوا كلمة الإيمان ، حدث ذلك ولم يكن قد جاء من الحق الأمر بالبلاغ الشامل وهو قوله الحق : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلأَقْرَبِينَ } [ الشعراء : 214 ] . فهؤلاء قد جزاهم الله حسن الثواب وسمّاهم " محسنين " وكذلك فعل النجاشي ، فقد ذهب إلى الإيمان دون أن توجه له دعوة وكان ذلك قبل أن يكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعوة للملوك ليؤمنوا ، وعلى هذا فالنجاشي محسن لأنه قفز إلى الإيمان قبل أن يطلب منه . وساعة يتكلم الحق عن منزلة من منازل الإيمان فهو أيضاً يتعرض للمقابل ، وذلك لتبلغ العظة مراميها الكاملة . فإذا تحدث عن أهل الجنة فهو يعقبها بحديث عن أهل النار ، وإذا تحدث عن أهل النار فهو يعقبها بحديث عن أهل الجنة لأن النفس الإنسانية تكون مستعدة للشيء ومقابله . ويقول الحق من بعد ذلك : { وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } .