Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 86-86)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ونعرف أن كلمة " صاحب " وكلمة " صحبة " وكلمة " أصحاب " ، هذه الكلمات تدل على الملازمة ، والملازمة في الحياة تكون اختيارية لا قهرية فلا أحد يصاحب أحداً بالقهر . ونفهم من قوله : { أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ } أن هذا يعني العشق المتبادل بين النار وأهلها ، وليس هذا مرادا ، فهو إما أن يكون على سبيل السخرية والاستهزاء بهم ، وإما أن يكون المراد هو الملازمة التامة والمصاحبة الدائمة التي لا تنفك ولا تنهى . وبعد أن تكلم الحق عن المشركين وتكلم عن اليهود وتكلم عن النصارى . فهو يتكلم عن المؤمنين ، إنه ينفض أذهاننا أولا ليزيل عنها ما علق بها من أمر المخالفين ومناهجهم ، ويأتي لنا من بعد ذلك بالأحكام ، وقد فعل ذلك في هذه السورة التي تبدأ بآية العقود : { يَا أَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِٱلْعُقُودِ } [ المائدة : 1 ] . وعقد الإيمان هو ما يرتفع ويسمو على ما يقوله المشركون ويخرج عما يقوله اليهود والنصارى . ومن بعد ذلك نلاحظ أن الحق بعد أن تكلم عن ضرورة الوفاء بالعقود ، فهو يلزم المؤمنين بالمنهج الذي يحمي حركة الحياة . وحركة الحياة يتم استبقاؤها أولاً بالطعام والشراب . لذلك قال : { أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ ٱلأَنْعَامِ } [ المائدة : 1 ] . ومن بعد استبقاء حركة الحياة بالطعام والشراب ، ها هوذا يقول : { حُرِّمَتْ } . وهنا لنا وقفة ، فعندما يحلل الله شيئاً من أجناس الوجود وحينما يحرم شيئاً آخر من أجناس الوجود فللسائل أن يسأل بعقلانية ويقول : ما دام الحق قد حرم هذه الأشياء فلماذا أوجدها ؟ ونعلم في حياتنا العادية أن كل صانع إنما يحدد خصائص لصنعته . ومثال ذلك صانع الطائرة يصمم طائرته ويحدد الوقود اللازم لها ، ولا يمكن أن تسير بوقود سيارة ، فإذا كانت الآلات التي من صنع البشر تفسد إن استخدمنا لها ما لا يناسبها . فكيف إذن نقول لصانعنا : لماذا خلقت الأشياء التي لا تناسبنا ؟ لا بد أن لها مهمة في الكون واستخداماً آخر يجعلها تنتج الأشياء المفيدة لنا . مثال ذلك سمّ الحية ، إنه يقتل الإنسان ، ولكن الله ألهم الإنسان القدرة على استخراج السّم من الحيّة لقتل بعض الميكروبات . إذن فالعالم قد خلقه الله بتركيب معين . ومثال ذلك نجد التمساح وهو راقد على الشاطئ والطيور تلتقط من فمه بعضاً من غذائها ولا يؤذيها لأن هذه الطيور هي التي تنبه التمساح إذا جاء صياد ليقتنصه ، فالطيور تحرص على مصدر قوتها وتحافظ على حياة التمساح ، والكهرباء نستخدمها في مجالها ، أما في عكس مجالها فهي تصعق وتدمر . إذن فليس للإنسان أن يسأل لماذا حرم الله أشياء على الإنسان ؟ لأن لتلك الأشياء دورة في الحياة . ولا يصح أن ننقل الوسيلة لتكون غاية . والحق أراد بالحلال والحرام أن ينتفع الإنسان بالصالح له . مثال ذلك أن حرم الله أكل لحم الخنزير . والخنزير إنما وُجد ليأكل ميكروبات . إذن فليس للإنسان أن يُحَوِّل الوسيلة إلى غاية . ويعطي الحق كل يوم للإسلام قوة تأييد تأتيه من خصوم الإسلام . ومثال ذلك : إننا نجد أن الأمراض تنتشر بنسب عالية في الأمم التي تستهلك لحم الخنزير ، وتشرب الخمر ، وهناك مرض اسمه " تشمع الكبد " ينتشر في تلك البلدان ، فهل كنا نؤخر تنفيذ أمر الله إلى أن تنشأ المعامل وتقول لنا نتائج أكل الخنزير ؟ أو كان يكفي أن نحرم على أنفسنا ما حرم الله ؟ إن علينا أن ننفذ أوامر الله صيانة لنا : { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي ٱلآفَاقِ وَفِيۤ أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ } [ فصلت : 53 ] . وكل يوم تظهر لنا آية تؤكد صدق إيماننا بالله لذلك فلا يقولن أحد : لماذا خلق الله تلك الأشياء المحرمة ؟ لقد خلقها الله وسيلة لا غاية . ومثال ذلك أن خلق الله لنا البترول لنستخرج منه الوقود فهل أحد منا يقدر على شرب البترول ؟ ! إذن فالتحليل والتحريم لصالح الإنسان . فإن خرج الإنسان عن ذلك فلا يلومن إلا نفسه . ولذلك يقول الحق : { قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَّآ أَنزَلَ ٱللَّهُ لَكُمْ مِّن رِّزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِّنْهُ حَرَاماً وَحَلاَلاً } [ يونس : 59 ] . كأن الحق يستنكر أن نصنع من حلال ما خلق أشياء محرمة . وأن نحرم أشياء حللها الله . كترك البحيرة والسائبة والوصيلة وكلها أرزاق من الله . هو سبحانه خالق كل الأشياء وهو الذي يحدد نفعها وعدم نفعها للإنسان . والبحيرة هي الناقة التي كانوا يشقون أذنها حتى لا يتعرض لها أحد بعد أن تكون قد نتجت خمسة أبطن آخرها ذكر ، وكانوا يطلقونها في المراعي لا تُركب ولا تُحلب ولا يُمنع عنها مرعى أو ماء . وكانوا يقولون إنها للآلهة . وعندما نستكشف آفاق من يستفيد منها ، كنا نجد الكهنة هم الذين يستفيدون منها . وكذلك السائبة وكانوا يتركونها تطوعاً لا يركبها أحد ولا يحلبها أحد وكان المستفيد منها الكهنة أيضاً . وكذلك الوصيلة وهي الأنثى التي جاءت في بطن واحد مع ذكر وقالوا وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم . وكذلك كانوا يطلقون الفحل الذي نتج من صلبه عشرة أبطن وقالوا قد حمى ظهره فلا يركب ، ولا يحمل عليه ولا يمنع من ماء ولا مرعى ، والحق سبحانه وتعالى يوضح لنا : أنا لم أحرم هذه الأشياء فلماذا تحرمونها ؟ هو سبحانه قد حرم الميتة والدم لأنه هو الذي حدد وبيّن ما هو حلال وما هو حرام . وسبحانه الذي يرزق الرزق فيكون مرة رزقاً مباشراً ومرة يكون رزقاً غير مباشر . ولذلك جاء الحق بالقول الكريم : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ … } .