Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 5, Ayat: 96-96)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وهذا قول دقيق يبين تحليل صيد البحر وطعامه ، وتحريم صيد البر على المحرم كما حرّم الصيد في دائرة الحرم على المحرم وغير المحرم لأن المسألة ليست رتابة حِلٍ ، ولا رتابة حُرمة ، إنما هي خروج عن مراد النفس إلى مراد الله . وصيد البحر هو ما نأخذه بالحيل ونأكله طرياً ، وطعام البحر هو ما يعد ليكون طعاماً بأن نملحه ولذلك قال : { مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } . ولهذا جاء الحق بطعام البحر معطوفاً على صيد البحر . والشيء لا يعطف على نفسه ، فإذا ما جاء العطف فهو عطف شيء على شيء آخر ، فالعطف يقتضي المغايرة . إذن فالمقيم يأكل السمك الطري والذي في سيارة ورحلة فليأخذ السمك ويجففه ويملحه طعاماً له ، مثلما فعل سيدنا موسى مع الحوت . ولكنْ هناك ألوان من الصيد ليست للأكل ، كاللؤلؤ والمرجان والحيوانات التي نستخرجها من البحر لعظامها وأسنانها وخلاف ذلك ، فماذا يكون الموقف ؟ لقد أباح لنا سبحانه الاستمتاع بكل صيد البحر . وجاء هذا التحليل هنا بأسلوب اللف والنشر ، مثلما قال الحق : { وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ ٱلْلَّيْلَ وَٱلنَّهَارَ لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ } [ القصص : 73 ] . وكلنا يعرف أن الليل للراحة والنهار للتعب . والليل يسلم للنهار ، والنهار يسلم لليل . إذن فالمسكن يعود إلى الليل ، وابتغاء الفضل بالكد يعود إلى النهار . إذن فقد جاء الحكم على طريق اللف والنشر المرتب ، وأوضحت من قبل كيف أن الشاعر العربي قد فعل ذلك فقال : @ قلبي وجفني واللسان وخالقي راضٍ وباكٍ شاكرٌ وغفورُ . @@ فالقلب راضٍ ، والجفن باكٍ ، واللسان شاكر ، والخالق غفور ، ولكن الشاعر جاء بالأحكام منشورة بعد أن لف الكلمات الأربع الأولى . أي أنه طوى المحكوم عليه مع بعضه ثم نشر الأحكام من بعد ذلك . وفي حياتنا - في أثناء السفر - نشتري الهدايا للأبناء ونرتبها حسب ورود الأبناء إلى حياتنا ، أي أننا نلف الهدايا ثم ننشرها من بعد ذلك . وبعد أن حلل الحق صيد البحر جاء بتحريم صيد البر إن كنا حُرُماً ، وذلك تأكيد جديد على تحريم صيد البر في أثناء الإحرام أو الوجود في الحرم . ويذيل الحق الآية بقوله : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيۤ إِلَيْهِ تُحْشَرُون } أي اجعلوا بينكم وبين عذاب الله وقاية لأنكم لستم بقادرين على تحمل عذاب النار ، فالحق - كما قلنا من قبل - له صفات جمال ، وهي التي تأتي بما ييسر وينفع كالبسط ، والمغفرة والرحمة ، وله سبحانه وتعالى صفات القهر مثل : الجبار وشديد العقاب وغيرها . وكل صفة من صفات الحق لها مطلوب . فعندما يذنب الإنسان فالتجلي في صفات الله يكون لصفات الجلال ، ومن جنود صفات الجلال النار . إذن فإياكم أن تظنوا أنكم انفلتم من الله ، فمساحة الحرية الممنوحة لكل إنسان تقع في المسافة بين قوسين : قوس الميلاد ، وقوس الموت ، فلا أحد يتحكم في ميلاده أو وفاته . إياك - إذن - أيها الإنسان أن تقع أسير الغرور لأنك مختار فيهم بين القوسين . ومحكوم بقهرين ، قهر أنه قد خلقك بدءاً ، وقهر أنك ستعود إليه - سبحانه وتعالى - نهاية . ويقول الحق من بعد ذلك : { جَعَلَ ٱللَّهُ ٱلْكَعْبَةَ … } .