Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 17-18)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

بيَّن الحق سبحانه وتعالى أن علمه محيط لا يعلم مجرد عمل الجوارح ، إنما يعلم ما يدور في النفس ، يعلم خلجاتها وأفكارها قبل أنْ تترجم إلى عمل . إذن : العلم بالوسوسة أوْلَى من العلم بالجوارح وعملها ، لكن قد يقول العبد : أختبئ فلا يراني أحد . فبيَّن الله له أنه إذا اختبأ من الناس فلا يختبئ من الله ، ولا يخفى عمله على الملكين الكاتبين اللذين يتلقيان عمله ويحفظانه ، ملك عن يمينه يكتب الحسنات ، وملك عن شماله يكتب السيئات . ومعنى { قَعِيدٌ } [ ق : 17 ] يعني : كلٌّ منهما قاعد له بالمرصاد متفرغ له يرقبه ولا يغيب عنه { مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ } [ ق : 18 ] فإنْ قلت ما دام أن الله تعالى عالم بعمل العبد ، ولا تخفى عليه خافية ، فلم يكتب عمله ولم يُسجِّله عليه ؟ قالوا : يكتب الأعمال لتكون حجة على صاحبها يوم القيامة ، فكما أن الله تعالى سيُنطق الجوارح لتشهد على صاحبها ، كذلك سينطق هذا الكتاب . واقرأ : { يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ النور : 24 ] . وقال سبحانه : { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ } [ فصلت : 21 ] وقال : { هَـٰذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِٱلْحَقِّ } [ الجاثية : 29 ] . ومن رحمة الله بعباده في كتابة الأعمال أن الحفظة تكتب الحسنة بعشر أمثالها ، وتكتب السيئة بواحدة ، تكتب الحسنة بمجرد أنْ تفكر فيها ولا تُكتب السيئة إلا بعد الوقوع فيها ، بل وتعطيك فرصة لعلك تتوب أو تراجع نفسك .