Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 38-38)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق سبحانه وتعالى يُبيِّن لنا أنه خلق السماوات والأرض وما فيهن وما بينهما من الآيات الكونية فيما مجموعه ستة أيام { وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ } [ ق : 38 ] ما أصابنا من تعب ولا نَصَب . وهذه الآية لها نظائر في القرآن الكريم دلتْ على أن أيام الخَلْق ثمانية أيام ، اقرأ : { أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِٱلَّذِي خَلَقَ ٱلأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ ٱلْعَالَمِينَ } [ فصلت : 9 ] إذن : معنا الآن يومان . { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } [ فصلت : 10 ] هكذا يكون المجموع ستة أيام { ثُمَّ ٱسْتَوَىٰ إِلَى ٱلسَّمَآءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ٱئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ * فَقَضَٰهُنَّ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ فِي يَوْمَيْنِ … } [ فصلت : 11 - 12 ] . إذن : المجموع الظاهر ثمانية أيام ، وهذا جعل بعض المستشرقين يتهمون الآيات بالتضارب ، أهي ستة أيام أم ثمانية . وهذا الاتهام وليد عدم فهمهم لأساليب اللغة ومراميها . فالحق سبحانه تكلم أولاً عن خَلْق الأرض كجرم مستقل ، ثم تكلم عن خَلْق ما يتبع الأرض في تمام أربعة أيام ، فالزمن هنا متداخل ، واليومان الأولان داخلان في تتمة الأربعة ، لأنها في خلق شيء واحد هو الأرض . لذلك بعد أنْ تحدَّث عن خَلْق الأرض قال سبحانه : { فِيۤ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ } [ فصلت : 10 ] أي : استوتْ تتمة الأربعة أيام مثل لو قلت : سِرْنا من القاهرة إلى طنطا في ساعة ، وإلى الإسكندرية في ساعتين . إذن : ليس في الآيات تعارض ، بل هي منسجمة مع بعضها البعض . ومن القضايا التي أثاروها حول هذه الآية قولهم : إن كان الحق سبحانه ينفذ إرادته ولا يحتاج في الفعل إلى معالجة ، فلماذا لم يخلق هذا الكون بكلمة كُنْ ، ولا يستغرق الخلق ستة أيام ؟ وقلنا في بيان ذلك أن هناك فرقاً بين خَلْق الشيء وبين جَعْل مُقدِّمات للخلق ، ثم يدور الشيء في نفسه ويتفاعل إلى ما يصير إليه . ووضحنا هذا بصناعة علبة الزبادي ، حيث نأتي باللبن والخميرة ونخلطهما ، ثم نجعل هذا الخليط تحت درجة حرارة معينة ، وبعد مدة تتفاعل هذه المكونات وتعطينا الزبادي . إذن : عالجت هذه المسألة في عدة دقائق لكنها تفاعلت في عدة ساعات ، حتى صار إلى ما نريد بعد أنْ وضعنا فيه الأصول والمواد التي تكوِّنه ، كذلك في مسألة خَلْق الكون في ستة أيام طبعاً من الأيام التي نعرفها . ومعنى اللغوب هو القصور الذي يأتي بعد التعب من العمل ، إذن : النَّصَب والتعب يصاحب العمل ، واللغوب قصور واسترخاء بعد الانتهاء ، فإذا نفى الأقل فالأكثر من باب أوْلى لم يحدث . إذن : المراد لم يحدث القصور ولم يحدث التعب ، كما جاء في قوله تعالى : { لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ … } [ البقرة : 255 ] والسِّنَة غفلة تسبق النوم ، فنَفْي السِّنة يعني نفي النوم من باب أوْلى .