Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 50, Ayat: 39-40)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الحق سبحانه وتعالى يريد أنْ يُسلِّي رسوله صلى الله عليه وسلم بعدما لاقى من إيذاء قومه . يقول له : باشر أمر دعوتك ولا تحزن لما يقولون ، ولا تيأس من نصرك عليهم ، لأن رسول الله وصحابته لما اشتد بهم الإيذاء استبطأوا النصر . وفي ذلك قال تعالى : { وَزُلْزِلُواْ حَتَّىٰ يَقُولَ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ ٱللَّهِ … } [ البقرة : 214 ] وهنا يقول له { فَٱصْبِرْ … } [ ق : 39 ] لأن كل صبر على بلاء وإيذاء بأجر ومنزلة ، فكلما ازدادوا في الإيذاء اصبر على أذاهم ، فهم يزدادون إثماً وأنت تزداد أجراً . وقوله تعالى : { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ … } [ ق : 39 ] أي : نزِّه ربك تعالى عن كلِّ نقص ، وعن كل ما لا يليق به سبحانه من صفات يتصف بها خَلْقه ، فالله له يد لكن ليستْ كأيدينا ، وله سمع ولكن ليس كسمعنا ، فخذ هذه الصفات في إطار { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْبَصِيرُ } [ الشورى : 11 ] . لذلك الحق سبحانه وتعالى استهلَّ خبر الإسراء والمعراج بقوله تعالى : { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ … } [ الإسراء : 1 ] أي : نزّه الله عن صفات النقص ، ونزّه الله عن مشابهة خَلْقه ، لأن في القصة خرقاً للنواميس التي يعرفها الخَلْق . إذن : لا تستبعد هذا الحدث لأنه منسوب إلى الله لا إلى البشر ، فمحمد لم يقُلْ : سريتُ بل قال : أُسْري بي . والسرعة هنا في قطع المسافة تُحسب بقوة الفاعل ، فأنت تسافر من القاهرة إلى الإسكندرية بالحصان في عشر ساعات ، وبالسيارة في ثلاث ساعات ، وبالطائرة في نصف ساعة ، وبالصاروخ في عدة دقائق . وهكذا تتناسب السرعة مع فاعلها ، فكلما ازدادت القوة قل الزمن ، فإذا كان صاحب السرعة هو الحق سبحانه وتعالى ، فالزمن هنا لا يُذكر ، وكوْن رسول الله استغرق في هذه الرحلة ليلة ، فهذا لأنه تعرَّض لمرائي عدة استغرقتْ هذا الوقت . ومعنى { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ } [ ق : 39 ] أي : سبِّح ربك تسبيحاً مقروناً بالحمد على النعم ، لذلك تجد أن لفظ التسبيح يأتي دائماً مقروناً بنعمة من نعم الله ، وآية لا يستطيعها أحد سواه { سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ … } [ الإسراء : 1 ] { سُبْحَانَ ٱلَّذِي خَلَق ٱلأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنبِتُ ٱلأَرْضُ وَمِنْ أَنفُسِهِمْ وَمِمَّا لاَ يَعْلَمُونَ } [ يس : 36 ] . لذلك رأينا على مَرِّ التاريخ الكفار والمشركين والملاحدة يعبدون أصنامهم وآلهتهم ويقدسونها ، ومع ذلك لم يقُلْ أحد لمعبوده : سبحانك أبداً لأنها لا تُقال إلا لله . كما أن لفظ الجلالة الله لم يُسمِّه أحد رغم وجود الملاحدة ومُنكري الألوهية ، لكن لم يجرؤ أحد منهم أنْ يُسمي ولده هذا الاسم ، لأنه يخاف أنْ يُسمِّي ولده الله . لذلك قال تعالى : { هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً } [ مريم : 65 ] إذن : أمران لم يجرؤ أحد عليهما لعظمة الله سبحانه ، حتى فيما للخَلْق فيه اختيار . كما نفهم من قوله تعالى { وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ … } [ ق : 39 ] أن السُّبحانية هذه من النعم التي تستوجب الحمد ، فكوْنُ الحق سبحانه مُنزّه عن الشبيه ، مُنزه عن المثيل ، مُنزه عن الشريك ، هذه من أعظم النعم على العباد . فلو أن لله تعالى مثيلاً أو شريكاً أو نظيراً لفسدتْ حياتنا ، ولَشقينا نحن بهذه المثلية ، وما هنئ لنا عيش . لذلك يقول تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَآ آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] وقال : { مَا ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَـهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَـٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ سُبْحَانَ ٱللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ } [ المؤمنون : 91 ] . ومعنى { قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ * وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } [ ق : 39 - 40 ] يعني : سبِّحه تسبيحاً دائماً لا ينقطع ، فهذه الأوقات المذكورة تستوعب اليوم والليلة ، لأن من الناس مَنْ يعمل بالنهار وينام بالليل ، ومنهم مَنْ يعمل بالليل وينام بالنهار ، فهذا انقطع تكليفه بالليل ، وهذا انقطع تكليفه بالنهار . وهذه الآية لها نظائر في آيات أخرى لكن لكل منها معنى ، يقول تعالى في موضع آخر : { فَٱصْبِرْ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ ٱلشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا … } [ طه : 30 ] فهنا قال : { ٱلْغُرُوبِ } [ ق : 39 ] وهناك قال { غُرُوبِهَا … } [ طه : 30 ] فقالوا : إذن : ما الفرق بينهما ؟ وأيهما أبلغ ؟ نقول : كلُّ لفظ منهما بليغ في موضعه ، فالشمس حين تغرب ، منا مَنْ يشاهد آية الغروب ، ومنا مَنْ لا يشاهده لغيم أو غيره ، ويحكم بالغروب بشواهد أخرى تدل عليه . لذلك في رمضان مثلاً ، كثيرٌ منّا لا يرى غروب الشمس ، ومع ذلك يفطر لأن لديه أدلة أخرى على الوقت ، إذن : قوله تعالى { وَقَبْلَ غُرُوبِهَا … } [ طه : 30 ] لمن شاهد الغروب ، وقوله : { وَقَبْلَ ٱلْغُرُوبِ } [ ق : 39 ] لمن لم يشاهده . كذلك في قوله تعالى : { وَمِنَ ٱللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } [ ق : 40 ] وقال في موضع آخر : { وَمِنْ آنَآءِ ٱلْلَّيْلِ فَسَبِّحْ … } [ طه : 30 ] فالأَوْلَى لمن يريد أنْ يسبح في وقت واحد من الليل ثم ينام ، والأخرى لمَنْ أراد أنْ يُسبّح ثم ينام ، ثم يُسبِّح ثم ينام ، يعني مرات متعددة أثناء الليل . ومعنى { وَأَدْبَارَ ٱلسُّجُودِ } [ ق : 40 ] يعني : عقب الصلوات ، وقد بيَّن لنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كيفية التسبيح عقب الصلوات .