Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 50, Ayat: 9-10)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله : { وَنَزَّلْنَا … } [ ق : 9 ] مادة نزل أتت بلفظ أنزلنا ونزَّلنا ، أنزلنا للشيء ينزل جملة واحدة ، كما في قوله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ ٱلْقَدْرِ } [ القدر : 1 ] أي : أنزلناه في هذه الليلة جملة ، ثم نزل به الروح الأمين مُتفرقاً حسب الأحداث ، فقال : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ … } [ الشعراء : 293 - 194 ] . كذلك الماء لا ينزل من السماء جملة واحدة ، إنما ينزل متتابعاً متفرقاً ، فقال : { وَنَزَّلْنَا … } [ ق : 9 ] وقوله : { مِنَ ٱلسَّمَآءِ … } [ ق : 9 ] أي : من جهة السماء ، لأن المطر في السحاب وأصله من الماء المالح في الأرض ، حيث تتم عملية البخر ويتكثف بخار الماء في السحاب فيتكوَّن الماء الذي يسوقه الله تعالى بقوة الهواء حيث ينزل حينما يصادف الأماكن الباردة . وقال عنه { مَآءً مُّبَٰرَكاً … } [ ق : 9 ] لأن الله بارك فيه وجعله صالحاً للشرب ولسقي النبات ، فهو عذْب سائغٌ للشاربين . وساعة ينزل هذا الماء المبارك على الأرض تهتز الأرض وتُخرج ما فيها من نبات { فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّٰتٍ … } [ ق : 9 ] جمع جنة ، وهي المكان المليء بالأشجار التي تجنُّ مَنْ يسير فيها . أي : تستره فسُميتْ جنة ، ومنه قوله تعالى : { فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ٱلْلَّيْلُ … } [ الأنعام : 76 ] يعني : ستره بظلمته . ومعنى { وَحَبَّ ٱلْحَصِيدِ } [ ق : 9 ] أي : الحب الذي يُحصد مثل القمح والشعير والذرة والأرز ، وهو يُزرع كل عام ويُحصد ليزرع من جديد ، أما الجنات فهي الشجر الدائم الذي يعمر لعدة سنوات ويثمر ، فنجمع منه الثمار فقط وتبقى الشجرة كما هي للعام التالي . وقوله : { وَٱلنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ … } [ ق : 10 ] عاليات مرتفعات ، والعلو في النخل من عجائب الخَلْق ودقة الإبداع ، لأننا رأينا العواصف تقتلع بعض الأشجار الضخمة ، لكن لم نَرَ نخلة وقعتْ من العاصفة فجأة كما تقع الشجرة . لكنْ إذا ضعفت النخلة نراها تميل شيئاً فشيئاً على فترات حتى تصل إلى الأرض ، ففيها رِفْعة ، وفيها شموخ . وذكر الحق سبحانه النخل بعد شجر الجنات وحبّ الحصيد لأن النخل يجمع الصفتين معاً لأن يعطي ثماره مثل الشجر كل عام ، لكن إذا لم يلقح جاءت الثمار كما يقولون : صيّص يعني بلح لا ينفع ولا فائدة فيه فيُقطع ويُرمى . ومعنى { لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ } [ ق : 10 ] الطلع كوز أخضر يتفتح وتخرج منه السباطة ، والسُّباطة هذه تحتوي على الشماريخ التي تحمل حبات البلح ، ومن عجائب الخَلْق أنك ترى هذه الحبات مُنضدّة ، يعني : مرصوصة بنظام دقيق في الشمروخ الذي يحملها ، فلا تجد مثلاً بلحة أمام الأخرى ، لكن موزَّعة على الشمروخ بالتساوي على شكل رِجْل غراب كما يقولون . إذن : الحق سبحانه أعطانا طرفاً من آياته في السماوات والأرض ، وقلنا : أن السماوات والأرض ظرف لما فيهما ، ومع عِظَم خَلْق السماوات والأرض ، إلا أن المظروف فيهما أعظم . والإنسان في هذه الظرفية له خصوصية لأنه خليفة الله في الأرض ، فالناس باعتبار أنهم مظروف ليس لأحد منهم حَظٌّ أوفر من الآخر ، فهم في هذه الظرفية سواء ، لأن الظرف مهمته حماية المظروف فيه فيستوي في الحماية ورقة بخمسين مع الورقة بمائة ، ويستوي الذهب والفضة والحديد ، فالصيانة للجميع وإنْ كان المصون مختلفاً . كذلك الإنسان له حظه من الصيانة مع أن قيمة الناس تختلف ، وهذا الاختلاف جاء لحكمة أرادها الحق سبحانه لصالح المجتمع كله : { وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً } [ الزخرف : 32 ] . فالناس منهم القوي والضعيف ، والغني والفقير ، العالم والجاهل ، والذكي والغبي يتم بينهم التكامل في حركة الحياة ، وقلنا : ماذا لو أن الناس جميعاً تخرجوا في الجامعة ؟ فمَنْ إذنْ سيقوم بالأعمال الدنيا ، إذن : لابدّ أنْ يوجد ناس للقمة ، وناس دونهم للخدمة ، وإلا ما استقامتْ حركة الحياة . ومع هذا الاختلاف في القيمة من حيث عمل كل إنسان وإجادته لعمله يبقى أننا جميعاً عيالُ الله وعبيده ، ليس منا من هو ابن الله ، فليلزم كلٌّ منا أدبه وحدوده ، فكلٌّ منا مرفوع في شيء ومرفوع عليه في شيء آخر ، يعني مفيش حد أحسن من حد . يقول الحق سبحانه : { رِّزْقاً لِّلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ … } .