Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 1-4)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
الواو هنا واو القسم ، فهذه أقسام يقسم بها الحق سبحانه ، ونحن لا نقسم إلا بالله لأنه لا توجد عند المؤمن عظمة فوق عظمة الله ، أما الحق سبحانه فيقسم بما يشاء من مخلوقاته لأنه سبحانه أعلم بأوجه العظمة فيها ومواطن الحكمة في كل قسم منها . فمثلاً يقسم سبحانه فيقول { وَٱلضُّحَىٰ * وَٱللَّيْلِ إِذَا سَجَىٰ } [ الضحى : 1 - 2 ] فلماذا أقسم سبحانه بالضحى والليل إذا سجى بالذات ، ولم يقسم بشيء آخر ؟ جاء هذا القسَم رداً على كُفار مكة عندما فتر الوحي عن رسول الله فرحوا وقالو : إن رب محمد قد قلاه . فالقسم هنا له مغزى ومناسبة ، فالضحى محلُّ الحركة والعمل ، والليل محل الراحة والسكون ، وكل منهما لا يستغني عن الآخر . فهنا إشارة إلى الحكمة من فتور الوحي ، كأنه يقول لهم : تأملوا في الزمن الذي يشملكم ، وكيف أنه ليل للراحة ونهار للعمل ، وكلٌّ منهما يكمل الآخر . كذلك مسألة الوحي لما نزل على رسول الله بداية الأمر كان شاقاً عليه مُرهقاً له صلى الله عليه وسلم ، وقد وصف رسول الله هذه المشقة فقال عن المَلك " " ضمَّني حتى بلغ منِّي الجهد " ولما عاد إلى بيته قال : " زمِّلوني زمِّلوني " " دثروني دثروني " . فكان فتور الوحي عن رسول الله فرصة يستريح فيها من العناء ، ويشتاق فيها لمباشرة الملَك من جديد ، فشبَّه نزول الوحي أولاًَ بالنهار وفتوره بالليل . هنا الحق سبحانه يقسم بالذاريات ، وهي الرياح ، والرياح قوة وطاقة ضرورية للحياة في هذا الكون { ذَرْواً } [ الذاريات : 1 ] أي : تذرو الأشياء وتحركها ، والذاريات هي التي تحمل بخار الماء إلى مواطن تكوّن السحاب . فقال بعدها { فَٱلْحَامِلاَتِ وِقْراً } [ الذاريات : 2 ] وهي السُّحب تحمل الماء وتتجمع حتى تصير ثقيلة ، كما قال سبحانه : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يُزْجِي سَحَاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَاماً فَتَرَى ٱلْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ … } [ النور : 43 ] . والوقر : الحِمْل الثقيل ، يقول سبحانه : { وَيُنْشِىءُ ٱلسَّحَابَ ٱلثِّقَالَ } [ الرعد : 12 ] ثم إن هذه السُّحب بعد أنْ تتكوَّن لا تقف في مكانها إنما تحركها الرياح . { فَٱلْجَارِيَاتِ يُسْراً } [ الذاريات : 3 ] أي : السُّحب تجري جرياً خفيفاً ، وتسبح في الفضاء في خفَّة ونعومة . وقوله : { فَٱلْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً } [ الذاريات : 4 ] أي : التي تقسِّم هذه السحب ، وتسُوقها إلى مواطن سقوطها ، كما قال سبحانه : { فَيُصِيبُ بِهِ مَن يَشَآءُ وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَآءُ … } [ النور : 43 ] ثم يأتي جواب هذه الأقسام الأربعة : { إِنَّمَا تُوعَدُونَ … } .