Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 51, Ayat: 22-22)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا الأسلوب يُسمَّى في البلاغة أسلوبَ قصر ، بتقديم الجار والمجرور على المبتدأ ، فالرزق في السماء فقط لا في غيرها ، الرزق يأتيك من أعلى من الله ، والرزق كل ما يُنتفع به ، فالمال رزق ، والصحة والعافية رزق ، والعقل رزق ، والأمن رزق . ومعنى أن الرزق في السماء . أي : أنه أمر وتقدير أزليّ مكتوب في اللوح المحفوظ ، فإنْ أردتَ الحياة المادية التي نعيشها ، فهي أيضاً مصدرها الماء النازل من السماء ، لأنه قوام الحياة ومصدر القوت . { وَمَا تُوعَدُونَ } [ الذاريات : 22 ] أي في السماء أيضاً ، فكل شيء مقدور ومكتوب في اللوح المحفوظ ، كل صغير وكبيرة ، وشاردة وواردة ، يقول تعالى : { وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَٰتِ ٱلأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مُّبِينٍ } [ الأنعام : 59 ] . إذن : ما دامت الأرزاق مُقسَّمة عند الله ، وما دام كل شيء مكتوباً أزلاً ، فأجملوا في الطلب ، ولا تنشغلوا بمسألة الرزق ، إلا أنْ تذهب إليه وأنْ تسعى في طلبه ، فأنت لا تخلقه ولكن تذهب إليه كما قال سبحانه : { فَٱمْشُواْ فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُواْ مِن رِّزْقِهِ … } [ الملك : 15 ] . فالمشي والسعي سببٌ للرزق المقسوم لك أزلاً ، وهذا الدرس تعلمناه من السيدة هاجر أم إسماعيل لما تركها سيدنا إبراهيم هي وولدها عند الكعبة وانصرف فقالت : آلله أمرك بهذا ؟ قال : نعم . قالت : إذن لن يُضيِّعنا . فهي واثقة أن الرزق عند الله ، وما كان سعيها سبعة أشواط بين الصفا والمروة إلا نموذجاً للسعي ، فكأن الحق سبحانه أراد أنْ يجعلها شاهداً على صدق هذه الآية ، فلما استنفدت السيدة هاجر أسبابها في السعي عادتْ إلى وليدها مطمئنة بقولها : إن الله لن يضيعنا . وعندها ضرب الوليدُ الأرضَ برجله فتفجَّرت من تحتها زمزم ، وبعد ذلك جعلها الله لنا مشعراً من مشاعر الحج والعمرة ليُذكِّرنا دائماً بهذه الحقيقة ، وهي أن الرزق عند الله ، لكن السعي إليه مطلوب ، والحركة في اتجاهه سببٌ من أسبابه .