Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 23-23)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

حكى الأصمعي أنه قابل يوماً أعرابياً ، فسأله الأعرابي : من أين ؟ فقال : من أصمع ، قال : من أين أتيتَ ؟ قال : من المسجد ، قال : وماذا تصنعون فيه ؟ قال : نقرأ قرآن الله ، قال : فاقرأ عليَّ . فقرأتُ عليه سورة الذاريات حتى وصلتُ إلى قوله تعالى : { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [ الذاريات : 22 ] فأتى بأدوات الصيد التي كانت معه فكسرها ، وقال : ما دام رزقي في السماء والله لا يكذب . قال الأصمعي : فخرجتُ مع هارون الرشيد للحج ، فلقيتُ هذا الأعرابي لكنه كان هذه المرة نحيفاً مُصفرَّ اللون فقلتُ له : ألستَ فلاناً ؟ قال : ألستَ الأصمعي ؟ قلت : نعم ما الذي صيَّرك إلى هذا ؟ فقال : اقرأ عليَّ ما قرأته سابقاً فقرأتُ عليه إلى قوله تعالى : { فَوَرَبِّ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } [ الذاريات : 23 ] فتعجب وقال : ومَنْ أغضب الجليل حتى ألجأه أنْ يقسم . وظلَّ يرددها ، فما انتهى من الثالثة حتى فاضتْ روحه معها . وحكيت مرة أنني كنتُ أحج أنا والشيخ أحمد أبو شقرة ، فعَنَّ لنا أنْ نصعد إلى غار حراء ، فقال لي : نريد دليلاً يرشدنا فقلت له : نحن نعرف الطريق وسِرْنا ، لكن وجدنا أنهم كسروا الطريق المؤدية إلى الغار فضللنا . ثم تنحَّى صاحبي عني جانباً ليبول ، وفجأة قال لي : انظر يا شيخ . فنظرتُ . فإذا بحشرة أتتْ وأخذت تشرب من بوله ، فقلت : سبحان الله وكأننا ضللنا الطريق لنسقي هذه الحشرة ، ثم مرَّ بنا رجل عرف أننا ضللنا الطريق فأرشدنا . الحق سبحانه وتعالى هنا يقسم بذاته سبحانه ، وربوبيته للسماء والأرض ، لأن السماء ينزل منها المطر ، والأرض تستقبل هذا المطر ، وتنبت به النبات الذي به قوام المعيشة والحياة . وقوله : { إِنَّهُ لَحَقٌّ … } [ الذاريات : 23 ] أي قوله تعالى : { وَفِي ٱلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ } [ الذاريات : 22 ] هذا قول حقٌّ لا شك فيه ، لأنه تقدير أزلي سُجِّل في اللوح المحفوظ . ثم يعطينا مثالاً يُجسِّم لنا هذه المسألة ، فيقول { مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ } [ الذاريات : 23 ] فكما تدرك أنك تتكلم ، وكما أنك متأكد من هذه الحقيقة ولا تشك فيها لأنك تباشرها بنفسك ، فكذلك لا تشكّ في مسألة الرزق ، وأنه من عند الله وثِقْ بهذا الخبر ، لأن الذي أخبرك به صادق .