Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 51, Ayat: 24-25)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا إخبار من الله تعالى عن سيدنا إبراهيم عليه السلام ، ولأنه خبر هام وعجيب بدأه الحق سبحانه بهذا الاستفهام { هَلْ أَتَاكَ … } [ الذاريات : 24 ] وهل تلازم دائماً الشيء العجيب الذي يستحق أنْ نلتفت إليه . ويشوِّقنا الحق سبحانه إلى معرفته ، كما في قوله تعالى : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ هَلْ أَدُلُّكمْ عَلَىٰ تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ } [ الصف : 10 ] يُشوِّقنا لنقول : نعم يا رب دلنا . ولأن قصة ضيف سيدنا إبراهيم قصة عجيبة قال الله عنها { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ … } [ الذاريات : 24 ] أي نبأ { ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ٱلْمُكْرَمِينَ } [ الذاريات : 24 ] . وسيدنا إبراهيم أبو الأنبياء كرَّمه الله بقوله : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً … } [ النحل : 120 ] لأن فيه من الفضائل ومن خصال الخير ما يوجد في أمة بأكملها ، لأن الله تعالى وزع الفضائل على الخَلْق جميعاً ، فأنت لك فضيلة ، وغيرك له فضيلة ثانية وثالثة وهكذا . هذا ليتكاتف الخَلْق ويتعاون الناس ، وإلا لاستغنى بعضنا عن بعض ولحدث التفكك في المجتمع ، لذلك تجد العاقل لا يحتقر أحداً مهما رأى نفسه أفضل منه لأنه يعلم ميزان المساواة بين الخَلْق في هذه الفضائل ، فيقول في نفسه : إنْ كنت أفضل منه في شيء فلا بدَّ أنه أفضل مني في شيء آخر . وسيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله أخفى ثلاثاً في ثلاث : أخفى رضاه في طاعته ، فلا تحتقرن طاعة مهما قلَّتْ ، فإن الله قد غفر لرجل لأنه سقى كلباً يأكل الثرى من العطش . وأخفى غضبه في معصيته فلا تحقرن معصية مهما صَغُرَتْ ، فإن الله تعالى أدخل امرأة النار في هِرَّة حبستها ، فلا هي أطعمتها وسَقَتْها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض ، وأخفى أسراره في خلقه فلا تحقرن عبداً ما " . والإمام علي رضي الله عنه يقول : عندما ترى مَنْ هو أدنى منك في شيء فتحَسّر ، لأنك لا تعرف الفضيلة التي فضَّل بها عليك ، ولا بدَّ للخَلْق أنْ يعي هذه الحقيقة لأنهم أمام الله سواسية ، والله تعالى لم يلد ولم يولد ، وخَلْقه عنده سواء ، لا يتفاضلون إلا بالتقوى والعمل الصالح . كلمة { حَدِيثُ … } [ الذاريات : 24 ] يعني الخبر المتداول ، وفيه حقيقة أو حكمة ، لذلك يتداوله الناسُ ويهتمون به { ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ … } [ الذاريات : 24 ] جاءت كلمة ضيف مفردة مع أنهم كانوا جمعاً من الملائكة ، فلم يقل ضيوف ولا أضياف ، إنما اختار اللفظ المفرد ، فقال : ضيف . قالوا : لأن ضيف تُطلق على المفرد والمثنى والجمع ممَّنْ استدعيته إلى بيتك أو جاءك فصار ضيفاً عليك ، والمستضيف ينبغي أنْ يعامل الأضيافَ جميعاً معاملة واحدة ويستقبلهم بوجه واحد لا يُفضل أحداً على أحد ، ولا يحتفي بأحد دون الآخر . فكأنهم عنده شخص واحد لا يميز أحداً ، لا في مجلسه ولا في نظره إليهم ، لذلك عبَّر القرآن عنهم بصيغة المفرد ، فهم في حكم الرجل الواحد . وقد علمنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الدرس ، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يُسوي بين جُلسائه حتى في نظره إليهم حتى ليظن كل منهم أنه لا يوجد في المجلس غيره . وفي القرآن الكريم مواضع كثيرة تستخدم المفرد وتريد به الجماعة ، ذلك حينما يكون توجههم واحداً وهدفهم واحداً ، وحينما يجتمعون على أمر الله ، وأمر الله دائماً واحد لا اختلافَ فيه ، والجماعة حينئذ في حكم الواحد . اقرأ هذا مثلاً في قوله تعالى في قصة سيدنا موسى وسيدنا هارون { فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولاۤ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } [ الشعراء : 16 ] . إذن : ضيف يعني أضياف ، ومعنى { ٱلْمُكْرَمِينَ } [ الذاريات : 24 ] جمع مكرم ، وهو الذي يقع عليه الكرم من غيره ، والفاعل مُكرِم والمفعول مُكرَم ، فوصف الملائكة بأنهم مكرمون فمَنْ أكرمهم ؟ قالوا : لها معنيان : أكرمهم الله تعالى كما قال سبحانه : { وَقَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ * لاَ يَسْبِقُونَهُ بِٱلْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ } [ الأنبياء : 26 - 27 ] . أو مُكرمون أكرمهم سيدنا إبراهيم حينما أعدَّ لهم طعاماً وباشر خدمتهم بنفسه لا بعبيده ، وجعل امرأته تشاركه في خدمتهم ، مع أن المرأة مستورة وأكرمهم بأن بادرهم بالتحية . ثم إنه لم يقدم لهم الطعام الحاضر ، إنما أكرمهم وذبح لهم عجلاً مرة وصفه بأنه سمين ، ومرة وصفه بأنه حنيذ وهذا كمال في الوصف ، فهو سمين في ذاته . أي : ليس هزيلاً في تكوينه . وهو حنيذ ، والحنيذ هو أفضل أنواع الشواء عندهم ، فهو من حيث طريقة طهيه حنيذ مشوي ، وهذا منتهى الإكرام . وقوله : { إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ … } [ الذاريات : 25 ] أي : الملائكة في صورة بشر { فَقَالُواْ سَلاَماً … } [ الذاريات : 25 ] فردّ عليهم { سَلاَمٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ } [ الذاريات : 25 ] أي : غير معروفين لنا ، ويقال : إنه قالها في نفسه ولم يجهر بها . ونلاحظ هنا فرقاً بين سلام الملائكة وردّ السلام من سيدنا إبراهيم ، لأنهم حيَّوْه بقولهم { سَلاَماً … } [ الذاريات : 25 ] هكذا بالنصب فردَّ عليهم { سَلاَمٌ … } [ الذاريات : 25 ] بالرفع ، هم بادروه بالسلام ، لأن القادم قد يخشى المقدوم عليه منه ، فبادروه بالسلام ليأمن جانبهم . وكلمة { سَلاَماً … } [ الذاريات : 25 ] بالنصب دلَّتْ على أنها مفعول لفعل مقدّر أي : نسلم عليك سلاماً ، والجملة الفعلية تدل دائماً على حدث سيحدث ، وهو الأمر الذي جاءوا من أجله . أما ردُّ السلام فكان بالرفع { سَلاَمٌ … } [ الذاريات : 25 ] أي : سلام عليكم ، فهي جملة اسمية ، والجملة الاسمية تدلُّ على الثبوت ، وهو حال المستقبل سيدنا إبراهيم .