Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 52, Ayat: 30-31)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قالوا عن رسول الله بعد أنْ أعيتهم الحيل ولم يجدوا صَدىً لقولهم : كاهن ومجنون قالوا شاعر ولم يفلحوا في هذه أيضاً ، لأن رسول الله جاء في أمة أفصح ما يكون . عندهم مَلكة البلاغة ودقّة الأداء اللغوي والبياني ، فهم أدرى الناس بالشعر ، ويعرفون أن ما جاء به محمد وما يتلوه عليهم ليس شعراً وما جرَّبوا عليه شيئاً من هذا قبل بعثته . لذلك قال تعالى في إبطال دعواهم : { قُل لَّوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } [ يونس : 16 ] . أين عقولكم المفكرة ، فقد عشْتُ بين أظهركم أربعين سنة ما جرَّبتم عليَّ قول الشعر ، فهل تفجَّر عندي بعد الأربعين ، ومعلوم أن العبقريات تأتي في العقد الثاني من العمر . ثم ما الذي كان يضمن لي أن عندي عبقرية تأتي بهذا الكلام قبل أنْ أموت ؟ ثم أنا لا أقول لكم هذا كلامي أنا . إنما هو من عند الله بوحي من الله لا يُعطى لكاهن ، لأن الكاهن إنما يتلقَّى عن الشياطين { وَإِنَّ ٱلشَّيَٰطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ … } [ الأنعام : 121 ] ولا يُعطى لمجنون ، ولا يُعطى لساحر ولا لشاعر . فلما فشلوا في هذه أيضاً قالوا : { أَسَاطِيرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ القلم : 15 ] وقالوا : إن محمداً يختلف إلى رجل من أهل الكتاب يُعلِّمه هذا الكلام ، لكن فضحهم القرآن وبيَّن كذبهم وتضارب أقوالهم ، فقال تعالى : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ ٱلَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـٰذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ } [ النحل : 103 ] . إذ : هذا كله عناد ولدد في الخصومة لا يثبت أمام العاقل المتأمل . ومعنى { نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ ٱلْمَنُونِ } [ الطور : 30 ] ننتظر ما يجري عليه من أحداث الحياة ومباغتة الموت الذي يُريحنا منه ، فردَّ الله عليهم { قُلْ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ ٱلْمُتَرَبِّصِينَ } [ الطور : 31 ] . فالأمر هنا { قُلْ تَرَبَّصُواْ … } [ الطور : 31 ] أمر للتهديد ، كما تقول لخصمك أعلى ما في خيلك اركبه يعني : افعل ما شئت ، والمعنى : مهما فعلتَ فلن تنال مني شيئاً . فالله يقول لهم : تربَّصوا كما تريدون ، فلنْ تنالوا منا ولنْ تكيدوا لنا ، لأننا في حضانة الله وفي أعين الله . وسبق أنْ جرَّبتم ، آذيتمونا بالكلام فلم تنالوا منّا ، وآذيتمونا بالفعل فما تخلينا عن رسالتنا ، آذيتمونا بالمكر والتبييت على قتلنا ، فردّ الله كيدكم في نحوركم ، ولما لم تفلحوا في الكيد الظاهر ذهبتم إلى الكيد الخفي واستعنتم علينا بالجن وبالسحرة ، فما وصلتُم إلى بُغيتكم ، وخيَّب الله سعيكم . إذن : ترَّبصوا كما شئتُم ، واعلموا أننا أيضاً نتربَّص بكم ، وقد شرح الله تعالى هذه المسألة في آية أخرى ، فقال سبحانه { قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَآ إِلاَّ إِحْدَى ٱلْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ ٱللَّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ مُّتَرَبِّصُونَ } [ التوبة : 52 ] . أي : ماذا تنتظرون فينا إما النصر عليكم ، وإما أنْ نُقتل فننال الشهادة وكل منهما حُسْنى ، ونحن ننتظر فيكم : إما أنْ يُعذِّبكم الله في الآخرة بكفركم ، أو يُعذِّبكم بأيدينا حينما ننتصر عليكم . فتربصوا بنا فلن تصلوا من الكيد لنا إلى شيء ، لأننا في حضانة الله وفي أعين الله .