Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 52, Ayat: 9-12)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحديث هنا عن يوم القيامة ، وفيه تمور السماء موراً ، فهذه السماء وهذا السقف المرفوع المحفوظ ، وهذا البناء المحكم الذي قال الله فيه { وَٱلسَّمَآءَ بَنَيْنَٰهَا بِأَييْدٍ … } [ الذاريات : 47 ] أي : بقوة وإحكام ، وقال : { وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِدَاداً } [ النبأ : 12 ] . هذه السماء تمور يعني : تتحرك وتضطرب أو تتقطع ، كما يحدث للقماش القديم المهترىء ، وفي موضع آخر عبَّر عن هذا المعنى بقوله سبحانه : { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ } [ المعارج : 8 ] . وهذا يعني أن بناء السماء تهدَّم وتفككتْ أوصاله كما تهدَّم كل شيء في الكون ، حيث لم يَعُدْ لها مهمة ، فمهمة السماء في الدنيا أنها كانت من أسباب الحياة الدنيا . أما في الآخرة فلا حاجة للأسباب ، لأننا هناك نعيش بالمسبِّب سبحانه ، لا حاجة لنا في هذه الأسباب التي نحيا بها . لذلك يقول سبحانه في هذا اليوم : { وَأَشْرَقَتِ ٱلأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا … } [ الزمر : 69 ] يعني : لسنا في حاجة إلى الشمس ، لأننا نستضيء بنور ربِّ الشمس ومسبِّبها سبحانه . وقوله تعالى : { وَتَسِيرُ ٱلْجِبَالُ سَيْراً } [ الطور : 10 ] كما قال : { وَإِذَا ٱلْجِبَالُ سُيِّرَتْ } [ التكوير : 3 ] هذه الرواسي الثابتة كالأوتاد على ضخامتها تسير وتتحرك ، ثم تتفتتْ وتتناثر . قال سبحانه : { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } [ المعارج : 9 ] أي : الصوف المندوف المتناثر ، نعم فلم يَعُدْ لها مهمة ، كانت مهمتها تثبيت الأرض ، والآن تهدَّم كلُّ هذا النظام وتفكك . { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ الطور : 11 ] ويل لهم ، لأنهم أخذوا بالأسباب وانتفعوا بها ونسوا المسبب ، فها هي الأسباب تفنى ولم يَبْقَ إلا مُسبِّبها الله الذي كفرتم به وكذَّبتم رسله ، والآن لا يأخذ خير المسبب إلا من آمن به وصدق رسله ساعة بقاء الأسباب . لذلك نقول : إياك أنْ تغترَّ بالأسباب مهما طاوعتك ومهما أعطتْك ، واعلم أن وراء الأسباب مُسبِّبها . تذكرون أن باكستان في فترة من الفترات خططتْ لزراعة مساحات واسعة من القمح ، وجاءت دراسة الجدوى تُبشِّرهم بالاكتفاء الذاتي ثم التصدير حتى لأمريكا ، وفعلاً زرعوا الفمح حتى قارب على الاستواء ، فنزلتْ عليه آفة أفسدته ، وفي هذا العام استوردوا القمح لأنهم اعتمدوا على الأسباب ونسُوا المسبِّب سبحانه . أيضاً في قصة قارون : { قَالَ إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ … } [ القصص : 78 ] فلما اغتر بعلمه وفَهْمه تركه الله وقال : احفظ مالك أيضاً بعلمك ، ثم جاءته الطامة التي لا يستطيع أنْ يدفعها { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ … } [ القصص : 81 ] فأين عنديتك الآن ؟ نعم { فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } [ الطور : 11 ] الذين كذَّبوا بالله الموجد الأعلى وكذَّبوا رسله ، وظنوا أن الحياة الدنيا هي الغاية ، وهي نهاية المطاف كما يقول الذين يؤمنون بالطبيعة ويكفرون بالله . لذلك زاد في تعريفهم ، فقال : { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ } [ الطور : 12 ] وفي موضع آخر قال : { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ … } [ المعارج : 42 ] . والخوض يكون في الماء ، وفيه إشارة إلى التخبُّط وعدم الهدى ، فأنت مثلاً حينما تسير على قدميك على الأرض تستطيع أنْ تتحسسَّ مواضع قدمِك ، وتشعر بأماكن الخطر في الطريق لأنك تسير فيه على هدى وبصيرة . لكن حينما تسير في الماء فأنت لا تعرف أين تضع قدميك ولا تأمن العطب ، لذلك حين نتأمل القرآن الكريم نجده لم يستخدم الخوض إلا في الباطل ، فقال : { ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ } [ الأنعام : 91 ] وقال : { وَإِذَا رَأَيْتَ ٱلَّذِينَ يَخُوضُونَ فِيۤ ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ … } [ الأنعام : 68 ] . وقد عبَّر القرآن عن هذا المعنى ، فقال : { ٱلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ سَاهُونَ } [ الذاريات : 11 ] كأنهم في ماء يغمرهم ويتخبطون فيه .