Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 104-104)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وبصائر جمع بصيرة ، والبصيرة للمعنويات والإشراقات التي تأتي في القلوب كالبصر بالنسبة للعين ، و " الكون " يعطيكم أدلة الإبصار ، والقرآن يعطيكم أدلة البصائر ، فكما أن الله هدى الإنسان فحذره ونهاه عن المعاصي ومنحه النور الذي يجْلي له الأشياء فيسير على هدى فلا يرتطم ولا يصطدم ، كذلك جعل المعنويات نوراً ، والنور الأول في البصر يأخذه الكافر والمؤمن ، وكلنا شركاء فيه مثله مثل الرزق ، لكن النور الثاني في البصائر يأخذه المؤمن فقط ، ولذلك يقول ربنا : { لِّيُخْرِجَكُمْ مِّنَ ٱلظُّلُمَاتِ إِلَى ٱلنُّورِ } [ الحديد : 9 ] . وهو نور الهداية في بصائر المعنويات ، فيوضح : أنا خلقتكم خلقاً ووضعت لكم قوانين لصيانتكم . فقانون الصيانة في ماديات الدنيا للمؤمن والكافر ، وقانون الصيانة في معنويات الحياة خاصة بالمؤمن . وهو القائل : { وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ ٱللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ } [ النور : 40 ] . ونعلم أن البصائر من المعنويات والمجيء للأمر الحسّي كقولنا : " جاء زيد " أو " جاء عمرو " ولك أن تتصور البصائر وهي تأتي ، قال الحق : { قَدْ جَآءَكُمْ مِّنَ ٱللَّهِ نُورٌ } [ المائدة : 15 ] . إنه سبحانه قد أعطانا نورا صحيحا واضحا وهو يأتي إلينا بمشيئته . { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ } أي أنها بلغت من تكوينها أنها أصبحت كأنها أشياء محسّة تجيء ، ولا يصح أن تقولوا إنها لم تصلكم لأنها تجيء من الرب الذي خلقنا بقدرته وأمدنا في كل شيء بقيّوميته ، ومن لوازم الربوبية أن يعطي ما يهدي ، وقد حكم الله أن البصائر جاءتنا ، وحكم بأن رسوله قد بلّغ فسبحانه أعطى لرسوله ، والرسول ناولنا ، فالحق قد شرع ورسوله قد بلغ وبقي أن تؤدوا ولا عذر لكم من المشرع الأعلى الذي خلق وهو الرب . ولا من المبلغ المعصوم وهو الرسول . ويقول الحق تبارك وتعالى : { فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا } [ الأنعام : 104 ] . ولله المثل الأعلى ، نجد الولد يدخل البيت فيجد أمه ويقول لها : ماذا أعددت لنا من طعام ؟ فتقول : لا شيء . فيقول الابن : لقد بعث أبي اللحم والأرز والخضار ، فكأنه يقول لها : أين عملك يا أمي ؟ وربنا سبحانه يوضح : أنا خلقتكم ، وعملت لكم قانون صيانة ، وأرسلت لكم رسولاً تعرفون عنه أنه صادق في بلاغه ، وأدى هذه الرسالة ، لذلك فالباقي من المسألة عندكم أنتم ، وكل واحد عليه أن يؤدي ما عليه من عمل ، إن أبصر فلنفسه ، وإن عمى فعليها . فإياكم أن تفهموا أني كلفتكم بما يعود عليَّ في ذاتي ، ولا ما يزيد من سلطاني شيئا لأن خيرها لكم أنتم ، ولا آمن على التشريع ممن لا يفيد من التشريع لأن من يستفيد منه قد يشرّع لمصلحته ، أما الحق فهو مأمون على التشريع لأنه غير منتفع به . يقول سبحانه : { قَدْ جَآءَكُمْ بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا } [ الأنعام : 104 ] . ولأن الرسول عليه البلاغ فقط والحق قد حفظه وعصمه من الكفر وهو يبلغكم المنهج ، وقد خلق الله كل إنسان مختارا وهو بهذا الاختيار يُدخل نفسه في الحكم أو يخرج نفسه من الحكم ، وسبحانه لم يبعث الرسول جباراً بل بعثه رحيماً لذلك يقول الله في حق رسوله صلى الله عليه وسلم : " وما أنا عليكم بحفيظ " والحفيظ من أسماء الله ، وهو الحفيظ لأنه شرَّع ليحفظ الخلق ويريد أن يجعلهم على مثال حسن واعٍ . والرسول هو المبلغ والحق يقول : { وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ } [ ق : 45 ] . إذن فكل واحد حر يدخل نفسه في الحكم أو يخرج نفسه من الحكم . وقد حارب الرسول ليحمي الاختيار بدليل أن البلاد التي فتحها الإسلام تجد بعضاً من سكانها قد ظلوا على كفرهم ولم يرغمهم أحد على الإيمان . ويقول الحق بعد ذلك : { وَكَذٰلِكَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ … } .