Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 111-111)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هنا يوسع الحق المسألة . فلم يقل : إنهم سوف يؤمنون ، بل قال : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ } مثلما اقترحوا ، أو حتى لو كلمهم الموتى ، كما قالوا من قبل : { فَأْتُواْ بِآبَآئِنَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [ سورة الدخان : 36 ] ويأتي القول : { وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ } و " الحشر " يدل على سوق بضغط مثلما نضع بعضاً من الكتب في صندوق من الورق المقوى ونضطر إلى أن نحشر كتاباً لا مكان له ، إذن : الحشر هو سوق فيه ضغط ، وهنا يوضح الحق : لو أنني أحضرت لهم الآيات يزاحم بعضها بعضاً وقدرتي صالحة أن آتي بالآيات التي طلبوها جميعاً لوجدت قلوبهم مع هذا الحشر والحشد تضن بالإيمان . { وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً } و " قبلا " هي جمع " قبيل " ، مثل سرير وسُرُر . { وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً } . وهذا يعني أن الحق إن جاء لهم بكل ما طلبوا من آيات ، وكأن كل آية تمثل قبيلة والآية الأخرى تمثل قبيلة ثانية ، وهكذا . فلن يؤمنوا ، أو " قُبُلا " تعني معاينة أي أنهم يرونها بأعينهم ، لأن في كل شيء دُبُرا وقُبُلا والقُبُل هو الذي أمام عينيك ، والدبر هو من خلفك . فإن حشرنا عليهم كل شيء مقابلا . ومعايناً لهم فلن يؤمنوا . وإن أخذتها على المعنى الأول أي أنه سبحانه إن حشد الآيات حشداً وصار المُعْطَى أكثر من المطلوب فلن يؤمنوا . وإن أردت أن تجعلها مواجَهةً ، أي أنهم لو رأوا بعيونهم مواجهة مَن أمامهم فلن يؤمنوا . { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ ٱلْمَلاۤئِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ ٱلْمَوْتَىٰ وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ لِيُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ } [ الأنعام : 111 ] . وجاء الحق هنا بمشيئته لأن له طلاقة القدرة التي إن رغب أن يرغمهم على الإيمان فلن يستطيعوا رد ذلك ، ولكن الإرغام على الإيمان لا يعطي الاختيار في التكليف ولذلك قال سبحانه : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [ الشعراء : 3 - 4 ] . والله لا يريد أعناقاً تخضع ، وإنما يريد قلوباً تخشع . لذلك يذيل الحق الآية بقوله : { وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ } . والجهل يختلف عن عدم العلم ، بل الجهل هو علم المخالف ، أي أن هناك قضية والجاهل يعلم ما يخالفها ، أما إن كان لا يعلم القضية فهذه أمية ويكفي أن نقولها له حتى يفهمها فوراً . لكن مع الجاهل هناك مسألتان : الأولى أن نزيل من إدراكه هذا الجهل الكاذب ، والأخرى أن نضع في إدراكه القضية الصحيحة ، وما دام أكثرهم يجهلون . فهذا يعني أنهم قد اتبعوا الضلال . ويقول الحق بعد ذلك : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ … } .