Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 114-114)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

فسبحانه هو من يحكم وهو من قنن ، وهو من يعلم القانون ويعلم من يتبع القانون ، ومن يخالف القانون ، وساعة تقول : { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً } . فهذا دليل على أنك واثق أن مجيبك لن يقول لك إلا : لا تبتغي حكماً إلا الله ، ولذلك يطرح المسألة في صيغة استفهام ، ويقول صلى الله عليه وسلم : مبلغاً عن ربه : { وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ مُفَصَّلاً } ، ولم يقل رسول الله : وهو الذي أنزل عليّ الكتاب ، بل قال مبلغاً عن رب العزة : { وهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ } كأن العداوة ليست لمحمد وحده ، لكنها العداوة لأمة الإيمان كلها ، والحكم لأمة الإيمان كلها . ومع أن القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أولاً ، ولكن مهمته البلاغ إلى الناس والغاية منه للمؤمنين كلهم ، وهكذا تكون العداوة للنبي عداوة للمؤمنين كلهم ، ولذلك أنزل عليه الحق هذا التساؤل : { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً } كما أنزل عليه من قبل القول الحق : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ ٱلإِنْسِ وَٱلْجِنِّ … } [ الأنعام : 112 ] . إذن فعدو النبي هو عدو المؤمنين به والمتبعين له ، لكن قمة العداوة تكون للنبي المرسل من الحق : { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [ الأنعام : 114 ] . وكلمة { مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ } فيها إغراء للمؤمنين بأن كل الأمر يعود عليكم أنتم بالفائدة لأن غاية إنزال الكتاب لكم أنتم ، والكتاب جاء بهذا المنهج لصالحكم ولن يزيد في صفات الله صفة ، ولن يزيد في ملك الله ملكاً . بل الغاية أنتم . { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ ٱلَّذِيۤ أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ ٱلْكِتَابَ } [ الأنعام : 114 ] . وسبحانه لم ينزل الكتاب إلا بتفصيل لا تلتبس فيه مسألة بأخرى : { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [ الأنعام : 114 ] . والمقصود هنا بالذين آتيناهم الكتاب اليهود والنصارى لأنهم يعلمون صفاتك يا رسول الله ويعلمون نعتك ويعلمون الكثير من كتابك فكل ما يتعلق بك موجود عندهم لكن الآفة أنهم اعتنقوا دينين : دينا يعلن يبدونه ويظهرونه ، ودينا يُسَرّ به ، فما يسر به لا يعلنونه ويُحرِّمون السؤال فيه ، ولا يقبلون فيه نقاشاً ، وعندما تصل إلى الحقيقة وتعرضها عليهم لا يقبلونها ، وما الذي جعلهم يلتوون هكذا ؟ لأن لهم حالين اثنين : حال أيام أن كانوا يعاديهم من لا يؤمن بالسماء ومنهج السماء كعبدة الأوثان والمشركين . وقال فيه الحق : { وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ … } [ البقرة : 89 ] . لقد كانوا من قبل أعداء للذين كفروا وأشركوا فكان همهم وشغلهم الشاغل أن ينتصروا على هؤلاء الكافرين ، وقالوا : أظل زمان نبي نتبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرم . وحينما جاءهم ما عرفوا كفروا به لأنهم : { ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً … } [ التوبة : 9 ] . وكان الثمن هو بقاء السلطة في أيديهم ، وعندما تأتي النبوة تنزع منهم السلطة ، فليس في الإِسلام سيطرة لرجال الدين ولا كهنوت . وكانوا يريدون أن تستمر سيادتهم ، فاشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً . { وَٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِٱلْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } [ الأنعام : 114 ] . وهم يعلمون أنه منزل من ربك بالحق ، وهم يعلمون أن الذي يشيعونه هو باطل . إذن فهناك علم بينهم وبين نفوسهم وعلم آخر يقولونه للآخرين . وقوله الحق : { فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ } أي الشاكين في أن أهل الكتاب يعلمون أن القرآن منزل من عند ربك بالحق . هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، ونعلم أنه إذا طلب المتكلم من المخاطب أمراً هو فيه فالمراد المداومة عليه والزيادة لأن هناك أموراً قد تزلزل الإيمان لذلك يأتي الأمر بالثبات ، أو هو إهاجة له ، أو هو تسلية للمؤمنين إذ قال لهم لا تمتروا ولا تشكوا . ويقول الحق بعد ذلك : { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً … } .