Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 115-115)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وكلمة " تمت " تدل على أن المسألة لها بداية ولها خاتمة ، فما المراد بالكلمة التي تمت ؟ . أهي كلمة الله العليا بنصر الإسلام وانتهاء الأمر إليه ؟ أو هو تمام أمر الرسالة حيث قال الحق : { ٱلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ ٱلإِسْلٰمَ دِيناً … } [ المائدة : 3 ] . أو " كلمة ربك " المقصود بها قرآنه ؟ . ونرى أن معنى " تمت " استوعبت كل أقضية الحياة إلى أن تقوم الساعة ، فليس لأحد أن يستدرك على ما جاء في كتاب الله حكماً من الأحكام لأن الأحكام غطت كل الأقضية . ولفظ " كلمة " مفردة لكنها تعطي معنى الجمع . وأنت تسمع في الحياة اليومية من يقول : وألقى فلان كلمة طيبة قوبلت بالاستحسان والتصفيق . هو قال كلمات لكن التعبير عنها جاء بـ " كلمة " إذن { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } المقصود بها المنهج الذي يشمل كل الحياة ، واقرأ قوله الحق : { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ … } [ الكهف : 5 ] . أهي كلمة أو كلمات ؟ أنها كلمة ولكن فيها كلمات . إذن لفظ " كلمة " تطلق ويراد بها اللفظ المفرد ، وتطلق ويراد بها الكلام . والكلمة في الأصل لفظ مفرد ، أي لا يكون معها لفظ آخر ، ولكنها تدل على معنى ، فإذا كان المعنى غير مستقل بالفهم ويحتاج إلى ضميمة شيء إليه لنفهمه فهذا حرف ، وأنت تقول : " في " وهو لفظ يدل على الظرفية ، إلا أنه غير مستقل بالفهم لأن الظرف يقتضي مظروفاً ومظروفاً فيه ، فتقول : " الماء في الكوب " لتؤدي المعنى المستقل بالفهم . وكذلك ساعة تسمع كلمة " مِن " تفهم أن هناك ابتداء ، وساعة تسمع كلمة " إلى " تعلم أن هناك انتهاء . وإن كان يدل على معنى في نفسه وهو غير مرتبط بزمن فهو الاسم . وإن كان الزمن جزءاً منه فهو " الفعل " . أما " الكلام " فهو الألفاظ المفيدة . وحين تسمع كلمة " سماء " تفهم المعنى ، وكذلك حين تسمع كلمة " أرض " وهو معنى مستقل بالفهم . وحين تسمع كلمة " كتب " فهي تدل على معنى مستقل بالفهم ، والزمن جزء من الفعل ، فكتب تدل على الزمن الماضي و " يكتب " تدل على الحاضر و " سيكتب " تدل على الكتابة في المستقبل . إذن فـ " الكلمة " لفظ يدل على معنى فإن كان غير مستقل بالفهم فهو حرف . و " الكلمة " قد يقصد بها الكلام . وقوله الحق : { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } تعني الكثير . فإن أردت بها القرآن فالمقصود هو كلمة الله . وكلام الله نسميه " كلمة " لأن مدلوله كلمة واحدة . انتهت وليس فيها تضارب ، هذا إن أردنا بها القرآن ، ولتفهم أن القرآن قد استوعب كل شيء ، وكل قضية في الوجود وأيضاً لم ينس أو بدّل فيه حرف بل بقى وسيبقى كما أُنزِل لأن الآفة في الكتب التي نزلت أنهم كتموا بعضها ونسوا بعضها ، وحرّفوا بعضها ، وكان حفظها موكولاً إلى المكلَّفين ، ومن طبيعة الأمر التكليفي أنه يطاع مرة ، ويعصى مرة أخرى . وإن أطاعوا حافظوا على الكتب ، وإن عصوا حرفوها بدليل قوله الحق : { إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَٱلرَّبَّانِيُّونَ وَٱلأَحْبَارُ بِمَا ٱسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ ٱللَّهِ … } [ المائدة : 44 ] . و " استحفظوا " أي طلب منهم أن يحافظوا عليه ، وهذا أمر تكليفي عرضة أن يطاع ، وعرضة أن يعصى ، لكن الأمر اختلف بالنسبة للقرآن فقد قال الحق : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا ٱلذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [ الحجر : 9 ] . فسبحانه هو من يحافظ على القرآن ، وليس ذلك للبشر لأن القرآن معجزة ، والمعجزة لا يكون للمكلَّف عمل فيها أبداً . إذن فقوله الحق : { وتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } المقصود بها أن تَطْمَئِن على أن القرآن الذي بين يديك إلى أن تقوم الساعة هو هو لن تتغير فيه كلمة ، بدليل أنك تتعجب في بعض نصوص القرآن ، فتجد نصاً مساوياً لنص ، ثم يختلف السياق ، فيقول الحق : { كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } [ المدثر : 54 - 55 ] . ومرة أخرى يقول سبحانه : { كَلاَّ إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُ } [ عبس : 11 - 12 ] . ومرة أخرى يقول : { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً } [ الإنسان : 29 ] . فهذا لون ونوع من المتشابه من الآيات ليقول لنا الحق : { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } [ القيامة : 18 ] . والحق يقول : { قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ * ٱلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاَتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَـاةِ فَاعِلُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَىٰ أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ٱبْتَغَىٰ وَرَآءَ ذٰلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْعَادُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَٱلَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [ المؤمنون : 1 - 9 ] . وفي آية أخرى يقول : { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَىٰ صَلاَتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [ المعارج : 34 ] . وكل ذلك يدلك على أن كل كلمة وصلتك كما أنزلت ، وبذلك تكون كلمة ربك قد تمت . أو قول الله : { وتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } ليدل على أن كلمة الله هي العليا ، ولذلك تلاحظ أن " كلمة الله هي العليا " لم يجعلها الحق جعلاً ، وإنما جاءت ثبوتاً ، وسبحانه القائل : { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَى … } [ التوبة : 40 ] . هذا السياق الإعرابي حصل فيه كسر مقصود ، والسياق في غير القرآن أن يقول : وجعل كلمة الله هي العليا ، ولكنه سبحانه يقول : { وَجَعَلَ كَلِمَةَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلسُّفْلَىٰ وَكَلِمَةُ ٱللَّهِ هِيَ ٱلْعُلْيَا } . وسبحانه أراد بذلك أن نفهم أن كلمة الله هي العليا دائماً وليست جعلاً . وهذا دليل على أن كلمته قد تمت . ونلحظ أن قول الحق : { وتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } تأتي بعد { أَفَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً } ، واستقرىء موكب الرسالات من لدن آدم ، وانظر إلى حكم الله بين المبطلين والمحقين ، وبين المهتدين والضالين : إنه الحق القائل : { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً … } [ العنكبوت : 40 ] . والحاصب هو الريح التي تهب محملة بالحصى وكانت عقوبة لقوم عاد . { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ … } [ العنكبوت : 40 ] . وهم قوم ثمود ، يسميها مرة الصيحة ، وأخرى يسميها الطاغية : { فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ } [ الحاقة : 5 ] . ومرة يخسف بهم الأرض مثلما فعل مع قارون : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ … } [ القصص : 81 ] وكذلك : { وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا … } [ العنكبوت : 40 ] . وقد أغرق الله قوم فرعون وكذلك أغرق - من قبلهم - المكذبين لنوح . إذن كل قوم أخذوا حكم الله عليهم ، لكنك يا محمد مختلف عنهم وكذلك أمة محمد التي أصبحت مأمونة على الوصية ، وعلى المنهج ، ولذلك قال الحق : { وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّىٰ نَبْعَثَ رَسُولاً } [ الإسراء : 15 ] . وبعد أن بعث الحق رسوله صلى الله عليه وسلم قال : { وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ … } [ الأنفال : 33 ] . إذن { تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ } ، وهي الفصل النهائي : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَالِبُونَ } [ الصافات : 171 - 173 ] . وأنتم المنصورون لأنكم منسوبون إلى منهج غالب ، والنصر للمنهج الغالب يقتضي الإخلاص ، فإن تنصروا المنهج باتباعه ينصركم من أنزل المنهج ، فهو القائل : { لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِي … } [ المجادلة : 21 ] . وما قاله كان هو الواقع وما جاء به الواقع كان مطابقاً للكلام . { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً … } [ الأنعام : 115 ] . أي وافق الواقع الكوني ما قال الله به . وكيف كان الواقع صادقاً وعادلاً في آن واحد ؟ لنفرض أنك أحضرت مدرساً خصوصياً لولدك ، وصادف أنه هو الذي يدرس في المدرسة وهو الذي يدرس لابنك ثم قلت له : أريد أن ينجح الولد في الامتحان . ووعد المدرس بذلك ثم جاء الامتحان ونجح الولد ، فتكون كلمة المدرس قد صدقت . لكن هل هذا عدل ؟ قد يكون المدرس هو واضع الأسئلة ولمَّح للولد بالأسئلة ، ويكون النجاح حينئذٍ غير عادل ، لكن كلمة الله تجيء مطابقة لما قال ، موقعها مطابق لما قال ، وهي كذلك عدل لأنه سبحانه أوضح الثواب والعقاب : { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } . لأنه لا مبدل لكلمات الله ، ولا يوجد إله آخر يعارضه فله سبحانه طلاقة القدرة . أما بالنسبة للبشر فقد علَّم الله عباده احتياط الصدق في كلامهم فأوصاهم : { وَلاَ تَقْولَنَّ لِشَاْىءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذٰلِكَ غَداً * إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ … } [ الكهف : 23 - 24 ] . لأن فعل ذلك غداً والإتيان به وإحداثه هو أمر يتعلق بالمستقبل الذي لا نتحكم فيه ، فاحم نفسك وقل : " إن شاء الله " ، فإن لم يحدث يمكنك أن تقول : لم يشأ ربُّنا حدوث ما وعدت به ، وبذلك يحمي الإنسان نفسه من أن يكون كاذباً ويجعل نفسه صادقاً فلا يتكلم إلاَّ على وفق ما عنده من قوانين الفعل وعدم الفعل لأنه عندما تقول : " أفعل ذلك غداً " . ماذا ستفعل غداً وأنت لا تضمن نفسك وحياتك وظروفك ؟ ! لكن الله إذا قال : " سأفعل " فله طلاقة القدرة . { وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } [ الأنعام : 115 ] . وما دامت الكلمات ستتحقق والحكم سيصدر فهذا دليل على أنه سبحانه سميع لما قالوه في عداوتهم ، وعليهم بما دبروه من مكائدهم ، وهو القائل من قبل : { وَإِنَّ ٱلشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىۤ أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ … } [ الأنعام : 121 ] . أي ليعلموهم بخفاء ، فإن كان كلامهم ظاهراً فهو مسموع ، وإن كان بخفاء فهو معلوم . ويقول الحق بعد ذلك : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ … } .