Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 116-116)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

و { مَن فِي ٱلأَرْضِ } المقصود بهم المكلفون لأنهم هم من يتميزون بالاختيار ولهم أوامر ونواه ، فما دون الإنسان لا أمر له ، و " أكثر " لا يقابلها بالضرورة كلمة " قليل " أو " أقل " ، وما دام القول هو : " أكثر " . فقد يكون الباقون كثيراً أيضاً ، وأمّا كثير فإنها ، تعطي له كميته في ذاته وليست منسوبة إلى غيره ، ولذلك كنا نسمع من يقول : مكتوب على محطة مصر أو على " المطار " أو على " الميناء " ، يا داخل مصر منك كثير ، أي إن كنت رجلاً طيباً فستجد مثلك الكثير ، وإن كنت شريراً فستجد مثلك الكثير أيضاً . ويقول الحق : { أَلَمْ تَرَ أَنَّ ٱللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ وَٱلشَّمْسُ وَٱلْقَمَرُ وَٱلنُّجُومُ وَٱلْجِبَالُ وَٱلشَّجَرُ وَٱلدَّوَآبُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ ٱلنَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَابُ … } [ الحج : 18 ] . فكل الكائنات مقهورة مسخرة ، وعند الناس انقسم الأمر لأن لهم اختياراً ، فراح أناس للطاعة وذهب أناس للمعصية ، فلم يقل الحق : والناس . بل قال " وكثير من الناس " ، ولم يقل الحق : وقليل حق عليهم العذاب ، لكنه قال : { وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ ٱلْعَذَاب } فهؤلاء كثير وهؤلاء كثير ، وإن نظرت إليهم في ذاتهم فهم كثير ، والآخرون أيضاً إذا نظرت إليهم تجدهم كثيراً . ولماذا يقول الحق : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } ؟ " الطاعة " - كما نعرف - استجابة للأمر في " افعل " ، والنهي في " لا تفعل " إذا قال الحق للإنسان افعل كذا فالإنسان صالح لأن يفعل ، وأن لا يفعل ، وإن قال " لا تفعل " فالإنسان صالح أن يفعل ، وأن لا يفعل ، وإن كان هناك شيء لا تقدر عليه فلن يقول لك : افعله . والإنسان عادة حين يؤمر أو يُنهي إنما يؤمر وينهي لمصلحته ، فإن لم يوجد أمام مصلحةٍ معارض من منهج إلهي فهذا من مصلحته أيضاً لأن الله أجاز له حرية الفعل والترك . ويوضح الحق : من رحمتي أن جعلت لكم تشريعاً لأننا لو تركنا الناس إلى أهوائهم فسيأمر كل واحد من الذين لهم السيطرة على الناس بما يوافق هواه ، وسينهي كل واحد من الناس بما يخالف هواه لذلك نعصم هذا الأمر بالمنهج . حتى لا يتضارب الخلق ولا يتعاكس هواك مع هوى أخيك . ومن المصلحة أن يوجد مطاع واحد لا هوى له ، ويوجد منهج يقول للجميع " افعلوا كذا " و " لا تفعلوا كذا " وبذلك يأتي الاستطراق لنفهم جميعاً . ولذلك يقول الحق : { وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي ٱلأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ … } [ الأنعام : 116 ] . فهناك أناس مؤمنون وهم أصحاب الفطرة السليمة بطبيعتهم لأن الخير هو الفطرة في الإنسان ، وقد جاء التشريع لينمي في صاحب الفطرة السليمة فطرته أو يؤكدها له ، ويعدل في صاحب النزعة السيئة ليعود به إلى الفطرة الحسنة . والذين يضلون عن سبيل الله ماذا يتبعون ؟ يقول الحق : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } . كل واحد منهم يظن أن هذا الضلال ينفعه الآن ، ويغيب عنه ما يجر عليه من الوبال فيما بعد ذلك . و " الظن " - كما نعلم - هو إدراك الطرف الراجح ويقابله الوهم وهو إدراك الطرف المرجوح والظن هنا ، هو ما يرجحه الهوى : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ } [ الأنعام : 116 ] . و " إن " - كما نعرف - تأتي مرة جازمة : إن تفعلْ كذا تجد كذا ، وتأتي مرة نافية ، مثل قوله الحق : { مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ ٱللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ … } [ المجادلة : 2 ] . أي : ما أمهاتهم فـ " إن " هنا نافية . وقوله الحق : { إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ ٱلظَّنَّ } أي ما يتبعون إلا الظن . هم إما أن يتبعوا الظن وإمّا أن يخرصوا . فالخارص هو من يتكلم بغير الحقيقة ، بل يخمن تخميناً ، كأن ينظر إنسان إلى آخر في سوق الغلال ويسأله : كم يبلغ مقدار هذا الكوم من القمح ؟ . فيرد : حوالي عشرة أرادب أو اثنى عشر أردباً ، وهو يخمن تخميناً بلا دليل يقيني أو بلا مقاييس ثابتة ، أو يقول كلاماً ليس له معنى دقيق . فإذا اتبعت الناس فسوف يضلونك . لأنهم لا يملكون دليلاً علمياً ، ولا حقاً يقينياً ، بل يتبعون الظن إن كان الأمر راجحاً ، ويخرصون ويخمنون حتى ولو كان الأمر مرجوحاً . ويقول سبحانه بعد ذلك : { إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ … } .