Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 126-126)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
و " هذا " مقصود به ما تقدم من آيات . من كتاب الإِسلام وهو القرآن ، وذلك ما يشرح الصدر القابل للإِيمان ، والقرآن هو الحامل لمنهج الإِسلام فمرة تعود الإِشارة إلى القرآن أو إلى الإِسلام . وليس هناك خلاف بين القرآن والإِسلام . { وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً } . و " الصراط " هو الطريق السَّوي ، والطريق السَّوي قد يكون مع استوائه معوجاً لكن هذا الطريق مستوٍ ومستقيم ، ونعلم أن الطريق المستقيم هو أقصر الطرق الموصلة للغاية . وعلى هذا فصراط لا تغني عن مستقيم ، ومستقيم لا يغني عن صراط ، بل لابد من صراط معبد ومستقيم ليكون أقصر طريق إلى الغاية وبلا متاعب ، إننا - نحن البشر - نرى المهندسين وهم يقيسون الأبعاد والمسافات والغايات والبدايات والنهايات ، وبعد ذلك يربطون البدايات بالغايات . إنهم يحضرون آلات معينة ليرصدوا استقامة الطريق وكيفية تمهيده . وقد يعترض استقامة الطريق عقبات صعبة شديدة كَأْدَاء كجبل مثلاً ، فيقوم المهندسون إما بنحت نفق في الجبل ليضمنوا له الاستقامة ، وإما بأن يحني الطريق ليضمنوا جودة تعبيد الطريق . فإن جاء المهندسون وقالوا نمشي من هنا لنضمن استقامة الطريق فإننا نفعل ذلك . وإلاّ جعلوا الطريق متعرجاً أو حلزونيًّا وذلك ليتفادى السائر العقبات التي ليس له قدرة عليها . لكن إذا كان الصراط قد مهده رب ، أتوجد له عقبة ؟ طبعاً لا ، إذن فهو طريق مستقيم . ولنلحظ أنه سبحانه قال : " صراط ربك " أي أنه جاء بها من ناحية الربوبية ، والربوبية عطاء الرب ، إنه سيد ، ومربٍ ، وخالق الخلق ويضمن لهم ما يعينهم على مهمتهم في الوجود معونة ميسرة سهلة . وهكذا نعرف أن طريق الحق هو الصراط المعبد المستقيم ، أي الذي يصل بين البداية والنهاية . فإن كان الطريق الذي نتبعه مستقيماً ومعبداً ، وسهلاً ، فلماذا لا نتبعه ؟ " هذا صراط ربك " . ونلحظ أنه سبحانه قد أسند الرب لمحمد ، أي من أجل خاطره جعل الصراط مستقيماً لأنه سبحانه هو المتولي لربوبيتك يا محمد ، وسبحانه رب الكون كله ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عين أعيان الكون . { وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } [ الأنعام : 126 ] . " فصّلنا " أي أنّ كل شيء في هذا الكون مخلوق لما يناسبه ، وكل قضية من قضايا الكون خلقها ربنا لتحقق الفائدة منها بدون مشقة ، وبدون عنت . والمنهج الذي أنزله الله إنما يصلح الكون ويجعل كل شيء فيه مناسباً لمهمته لأن الله إله كل الناس وهم بالنسبة إليه سواء لأنه لم يتخذ لا صاحبة ولا ولداً . ولا يعطي سبحانه الحياة لمخلوق ويوجده في الكون ، ثم يعرّيه من أسلحة الحركة في الحياة ، ولكل إنسان سلاح من موهبة أو قدرة وبذلك تتعدد الأسلحة والمواهب والقدرات ، فمن يريد أن يبني بيتاً ، أنقول له : اذهب إلى كلية الهندسة لتتعلم كيف ترسم البيت وتخططه ؟ أنقول له : تعلم كيف تكون فنيًّا وكهربيًّا ونقاشاً ؟ إن الفرد الواحد لا يمكن أن يتعلم كل هذه التخصصات ، لذلك وزّع الله المواهب على خلقه هذا عنده موهبة ليعمل لنفسه ، ويعمل لغيره . وبعد ذلك يأتي غيره ليؤدي له عملاً ليس له فيه موهبة بحيث يتكامل المجتمع كله ولا يتكرر أفراده . ولو كنا تخرجنا جميعاً كأطباء أو مهندسين لما نفعت الدنيا ، ومن نقول عليهم : إنهم فشلوا في التعليم يقومون بأعمال في الحياة ما كنا نستطيع الحياة بدونها فقد خلقهم الله بقدرات عقلية محدودة ليهبهم قدرات أخرى تصلح في مهمات أخرى . وإن تعلم المجتمع كله تعليماً عالياً لصار الهرم مقلوباً . وإن انقلب الهرم فمعنى هذا أن أجزاءً منه ستكون بغير دعائم في الأرض . لذلك نجد أن هناك إعداداً عقليا أراده الحق لكل واحد من الخلق ، ولا نستطيع أن نقول لكل إنسان : تعلم وتخرج في الجامعة ثم اكنس الشارع . وكن في الغد حداداً . لذلك ربط الحق كل عمل بالحاجة إليه ، ومن يحسن استقبال قدر الله في نفسه يُعطِ الله له من العمل كل الخير . ونلحظ الآن أن من يعمل موظفاً في الدولة يحيا في راتب محدود ، بينما تجد السباك يقدر عمله بأجر يحدده هو ، ويبقى الويل والتعب لمن كان تقدير عمله في يد غيره . { وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } . وانظر كل قضية في الكون ، لم يُدخل ابن آدم فيها أنفه تجدها مستقيمة ، ولا يأتي الفساد إلا في القضايا التي أدخل ابن آدم أنفه فيها بدون منهج الله . فإن دخلت في كل مسألة بمنهج الله يستقيم الكون تماماً . ولذلك يلفتنا الحق سبحانه وتعالى إلى النظام الأعلى في كونه والذي لا تدخل لنا فيه . ولا سيطرة عليه السموات ، والكواكب ، والشمس ، والقمر ، وحركة الأرض ، كل تلك الكائنات نجد أمورها تسير بانتظام ، ولذلك يقول لنا الحق سبحانه : { وَٱلسَّمَآءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ ٱلْمِيزَانَ * أَلاَّ تَطْغَوْاْ فِي ٱلْمِيزَانِ } [ الرحمن : 7 - 8 ] . فإن أردتم أن تستقيم أموركم في شئونكم وأحوالكم الاختيارية فادخلوا فيها بمنهج الله لأن الأشياء التي تدار بمنهج الله بدون أن يتدخل فيها البشر تؤدي مهمتها كما ينبغي . فعلى الإِنسان - إذن - أن يتذكر كيف يأخذ من المقدمات التي أمامه ما يوصل إلى النتائج ، ولابد أن يأخذ المقدمات السليمة ليصل إلى الغايات الفطرية . وأقصر الأمور أن تسأل نفسك : أنت صنعة من ؟ صنعة نفسك ؟ لا ، هل أنت من صنعة واحد مثلك ؟ لا . وهل ادّعى واحد في كون الله - وما أكثر ما يُدَّعى - أنه خلقك أو خلق نفسه ؟ لا . بل أنت وهو وكل الكون من صنعة الله ، فدعوا الله يقرر قانون صيانتكم ، وسيظل الناس متعبين إلى أن يسلموا الصنعة إلى خالقها . { وَهَـٰذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيماً قَدْ فَصَّلْنَا ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } . ولم يقل فصلنا الآيات لواحد ، بل قال " لقوم " حتى إذا ما مال أو غفل واحد في الفكر يعدله غيره . وكلنا متكافلون في التذكير ، وهذا التكافل في التذكير يعصم كل مؤمن من نفسه فإن حصل عندي قصور من سهو أو من غفلة أو من هوى يعدله غيري . وهذه قضية كونية لو استقرأت الوجود كله وجدتها لا تتخلف أبداً ، ولا بد من تذكر الغاية التي جاء بها قوله الحق : { لَهُمْ دَارُ ٱلسَّلاَمِ … } .