Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 125-125)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

نجد من يقول إن ربنا حين يريد لإنسان أن يشرح صدره للإسلام فذلك من إرادة الله وما ذنب المكلف إذن ؟ . وللرد على هذا نقول : لقد عرفنا من قبل أن الهداية لها معنيان : المعنى الأول : للدلالة وهي أمر وارد وواجب حتى للكافر . فإن هُدى الله للكافر أن يدلّه إلى طريق الخير ، ولكن هناك هداية من نوع آخر وهي للذي آمن ، ويصبح أهلاً لمعونة الله بأن يخفف عنه أعباء التكاليف وييسرها له ويجعله يعشق كل الأوامر ويعشق البغض والتجافي عن كل النواهي . يقول بعض الصالحين : " اللهم إني أخاف ألا تثيبني على طاعة ، لأني أصبحت أشتهيها " كأنه عشق الطاعة بحيث لم يعد فيها مشقة أو تكليفاً ، لذلك فهو خائف ، وكأنه قد فهم أنه لابد أن توجد مشقة ، ولمثل هذا الإنسان الصالح نقول : لقد فقدت الإحساس بمشقة التكاليف لأنك عشقته فألفت العبادة كما ألفتك وعشقتك ، وحدث الانجذاب بينك وبين الطاعة ، وجعلت رسول الله مثلاً لك وقدوة ، فقد كان صلى الله عليه وسلم يرى أنه إذا نودي إلى الصلاة يقوم الناس إليها كسالى لكنه " صلى الله عليه وسلم يقول لبلال حينما يأتي وقت الصلاة : " أرحنا بها يا بلال " . وهذا غير ما يقوله بعض ممن يؤدون الصلاة الآن حيث يقول الواحد منهم : هيا نصلِّ لنزيحها من على ظهورنا ، وهؤلاء يؤدونها بالتكليف لا بالمحبة والعشق . أما الذين ألفوا الراحة بالصلاة حينما يحزبهم ويشتد عليهم أمر خارج عن نطاق أسبابهم ، يقول الواحد منهم : ما دامت الصلاة تريح القلب ، فلأذهب إليها وألقى ربي زائداً على أمر تكليفه لي متقرباً إليه بالنوافل ، ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة . ومعنى حزبه أن الأسباب البشرية لا تنهض به . فيقوم إلى الصلاة ، وهذا أمر منطقي ، ولله المثل الأعلى . كان الإنسان منا وهو طفل إذا ما ضايقه أمر يذهب إلى أبيه ، فما بالنا إذا ما ضايقنا أمر فوق الأسباب المعطاة لنا من الله فلمن نروح ؟ إننا نلجأ لربنا ولقد كان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة . إذن فعشق التكليف شيء يدل على أنك ذقت حلاوة الطاعة ، وقد يجوز أنه شاق عليك لأنه يخرجك أولاً عمَّا ألفت من الاعتياد . فعندما يأتيك أمر فيه مشقة تقول : إن هذه المشقة إنما يريد بها لي حسن الجزاء ، فإذا ما عشقت الصلاة صارت حباً لك ، وكان واحد من الصالحين - كما قلت - يخاف ألا يثاب على الصلاة لأنها أصبحت شهوة نفس ، والإنسان مطالب بأن يحارب نفسه في شهواتها لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع لنا المثل فقال : " لا يؤمن أحدكم حتى يصبح هواه تبعاً لما جئت به " أي يصبح ما يشتهيه موافقاً لمنهج الله ، فإذا وصل وانتهى المؤمن إلى هذه المنزلة فهو نعم العبد السوي . وهكذا عرفنا أن الهداية قسمان : هداية بمعنى الدلالة ، وهداية بمعنى المعونة . فإذا ما اقتعنت بهداية الدلالة وآمنت بالحق فسبحانه يخفف عليك أمور التكليف ، ويجعلك عاشقاً لها ، ولذلك يقول أهل الصلاح : ربنا قد فرض علينا خمس صلوات ، وسبحانه يستحق منا الوقوف بين يديه أكثر من خمس مرات ، وفرض علينا ربنا نصاب الزكاة وهو اثنان ونصف بالمائة ، وسبحانه يستحق منا أكثر من ذلك لأنه واهب كل شيء ، وهذا عشق التكليف ، وهذا هو معنى قوله : { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } . { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ } أي يدلّه سبحانه كما دل كل العباد إلى المنهج ، لكن الذي اقتنع بالدلالة وآمن يسهل عليه تبعات التكليف مصداقاً لقوله الحق : { وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى وَٱلْبَاقِيَاتُ ٱلصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً } [ مريم : 76 ] . فهذه هداية المعونة ، وفيه فرق هنا بين الإِسلام والإِيمان لأن الإِيمان لا يحتاج فقط إلى الاعتقاد إنما هو حمل النفس على مطلوبات الإِيمان . ولذلك نجد أن كبار رجال قريش رفضوا أن يقولوا : " لا إله إلا الله " لأنهم علموا أنها ليست مجرد كلمة تقال ، لكن لها مطلوبات تتعب في التكاليف الناتجة عنها بـ " افعل " و " لا تفعل " . فالتكليف يقول لك : " افعل " لشيء هو صعب عليك ، ويقول لك : " لا تفعل " في شيء من الصعب أن تتركه ، لذلك يقول سبحانه : { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ … } [ الأنعام : 125 ] . وسبحانه يشرح صدره للإِسلام بعد أن علم أنه قد اعتقد شريعة التوحيد ورضيها واطمأن بها ، فيأتي إلى فهم التكاليف لأن صحيح الإِسلام يقتضي الانقياد لأمور التكاليف ، فمن أخذ الهداية الأولى وآمن بربه ، يوضح له سبحانه : آمنت بي وجئتني لذلك أخفف عنك تبعات العمل ، ويشرح صدره للإِسلام ، وشرح الصدر قد يكون جزاءً . فسبحانه هو القائل : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ } [ الشرح : 1 ] فقد جازاه ربنا بذلك لأنه أدّى ما عليه وصمد . كأن الله يريد بالإِيمان من المؤمن أن يقبل على الحق ، وحينما يقبل على الحق ، يبحث العبد ليتعرف على المراد والمطلوب منه فيعلم أنها التكاليف ، فإذا رأى الله منك الاستعداد المتميز لقبول التكاليف ، فإنّه يخففها عنك لا بالتقليل منها ، ولكن بأن يجعلك تشتهيها ، وقد تلزم نفسك بأشياء فوق ما كلفك الله لتكون من أهل المودة ومن أهل التجليات ومن الذين يدخلون مع الله في ود ، وتلتفت لنفسك وأنت تقول : لقد كلفني الله بالقليل وسبحانه يستحق الكثير . فتزيد من طاعتك وتجد أمامك دائماً الحديث القدسي : " من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها . " أي بالأمور التي تزيد على ما كلفه في الصلاة والزكاة والصيام والحج . إذن فمعنى { فَمَن يُرِدِ ٱللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ } أي يجعل الأمور التي يظن بعض من الناس أنها متعبة فإنه بإقباله عليها وعشقه لها يجدها مريحة ويقبل عليها بشوق وخشوع . ولذلك فالحق سبحانه وتعالى يترك في خلقه مُثُلاً للناس . فنجد المال عزيزاً على النفس حريصة عليه لأنه إن كان المال قد جاء بطريق شرعه الله وأحله فهو يأتي بتعب وبكدّ لذلك يحرص عليه الإِنسان ، فيحنن الله العبد من أجله البذل والعطاء . إننا نجد المؤمن يعطي للسائل لأن السائل هو الجسر الذي يسير عليه المسلم إلى الثواب من الله ، فيقول العبد المؤمن للسائل : مرحباً بمن جاء ليحمل زادي إلى الآخرة بغير أجرة ، ولذلك عندما جاء مسلم إلى الإِمام عليّ - رضي الله عنه وكرّم الله وجهه - ، قال المسلم : أنا أريد أن أعرف أأنا من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة ؟ واختار الإمام عليّ مقياساً للإِيمان في نفس كل مؤمن ، وقال له : إن جاءك من يطلب منك ، وجاء من يعطيك ، فإن كنت تهشّ لمن يعطيك فأنت من أهل الدنيا ، وإن كنت تهشّ لمن يأخذ منك فأنت من أهل الآخرة لأن الإنسان يحب من يعمر له ما يحب . إذن فـ " يشرح صدره للإسلام " أي يخفف عنه متاعب التكليف بحيث لا توجد مشقة ، ثم يرتقي بعد ذلك ارتقاءً آخر بأن يُعشّقه في التكليف . ويهديه الله إلى طريق الجنة ، لأن هناك هداية إلى المنهج وهداية إلى الجزاء على المنهج ، ولذلك نجد القرآن يقول عمن ضلوا : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ لَمْ يَكُنِ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ … } [ النساء : 168 - 169 ] كأن هناك هداية إلى العمل وهداية إلى الجزاء ، ونجد الحق يقول : { وَٱلَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ * سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ * وَيُدْخِلُهُمُ ٱلْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ } [ محمد : 4 - 6 ] . وقد يتساءل إنسان : كيف يهدي الله من قُتل ، وهل هناك تكليف بعد القتل ؟ . نقول : انظر إلى الهداية ، إنها هداية الجزاء " سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرَّفها لهم " . وهكذا نعرف أن هناك هداية الجزاء ، من يحسن العمل يُجزِه الله الجنة ، أما من يسيء فله عذاب في الدنيا والآخرة . { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ الأنعام : 125 ] . وهل هذا تجن من الله على خلقه ؟ لا ، لأنه ما دام دعاهم للإيمان فآمن بعضهم وصاروا أهلاً للتجليات ، وكفر بعضهم فلم يؤمنوا ، فصاروا أهلاً للحرج وضيق الصدر . ومعنى الضيق أن الشيء يكون حجمه أقل مما يؤدي به مهمته ، فحين يقال : ضاق البيت بي وبعيالي ، فهذا يعني أن الرجل وزوجه في البداية عاشا في غرفتين ، وكان البيت متسعاً . ثم أنجبا عيالاً كثيرة فضاق بهم البيت . وهكذا نعلم أنه لم يطرأ شيء على الجدران ومساحة البيت ، لكن حين زاد عدد الأفراد شعر رب الأسرة بضيق المنزل . ويقال : صدره ضيّق أوضيْق فقد ورد في القرآن لفظ ضيق على لغتين : فالحق يقول : { وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ } [ النحل : 127 ] . وهناك في الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها توجد كلمة ضَيّق ، والحق يقول : { فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَضَآئِقٌ بِهِ صَدْرُكَ … } [ هود : 12 ] . فما المراد من " ضائق " ، و " ضيّق " ، و " ضيْق " ؟ . نعرف أن الصدر هو مكان الجارحتين الأساسيتين في التكوين : القلب والرئة ، والرئة هي الجارحة التي لا تستمر الحياة الا بعملها فقد تبطئ الأمعاء مثلاً ، أو تتوقف قليلاً عن عملها ، ويتغذى الإنسان على خزينه من الدهن أو اللحم ولذلك يصبر الإنسان على الجوع مدة طويلة ، ويصبر على الماء مدة أقل ، لكنه لا يصبر على افتقاد الهواء لدقائق ، ولا صبر لأحد على ترك الشهيق والزفير . ولقد قلنا من قبل : إن الحق سبحانه وتعالى قد يملّك بعضاً قوت بعض . وأقل منه أن يملِّك بعضا ماء بعض ، لكن أيملّك أحداً هواء أحد ؟ لا لأن الرضا والغضب أغيار في النفس البشرية . فإذا غضب إنسان على إنسان ، وكان يملك الهواء وحبسه عنه فالإنسان يموت قبل أن يرضى عنه هذا الآخر ، ولذلك لم يملّك الله الهواء لأحد من خلقه أبداً . إذن كل المسألة المتعلقة بقوله : { يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً } نعلم عنها أن الصدر هو محل التنفس ، والرئة تأخذ الأوكسجين وتطرد ثاني أوكسيد الكربون ، وعندما يصاب الإنسان بنوبة برد نراه وهو يجد صعوبة في التنفس ، كأن حيّز الصدر صار ضيقاً ، فلا يدخل الهواء الكافي لتشغيل الرئتين ، ويحاول الإنسان أن يعوض بالحركة ما فاته فينهج . ويشخص الأطباء ذلك بأن المريض يريد أن يأخذ ما يحتاجه إليه من الهواء فينهج لأن الحيّز قد ضاق ، وكذلك عندما يصعد الإنسان سلماً ، ينهج أيضاً لأن الصعود يحتاج إلى مجهود ، لمعاندة جاذبية الأرض ، فالأرض لها جاذبية تشد الإنسان ، ومن يصعد إنما يحتاج إلى قوة ليتحرك إلى أعلى ويقاوم الجاذبية . إننا نجد نزول السلم مريحاً لأن في النزول مساعدة للجاذبية ، لكن الصعود يحتاج إلى جهد أكثر ، فإذا ضاق الصدر فمعنى ذلك أن حيز الصدر لم يعد قادراً على أن يأخذ الهواء بالتنفس بطريقة تريح الجسم ، ولذلك يقال : " فلان صدره ضيق " أي أن التنفس يجهده إجهاداً بحيث يحتاج إلى هواء أكثر من الحجم الذي يسعه صدره . { ومَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً } والحرج معناه الحجز عن الفعل ، كأن نقول حرَّجت على فلان أن يفعل كذا ، أي ضيقت عليه ومنعته من أن يؤدي هذا العمل . " كأنما يصعّد في السماء " . وعلمنا أن الصعود لأعلى هو امتداد لفعل الجسم إلى جهة من جهاته . فالجهات التي تحيط بأي شيء ست : هي فوق وتحت ، ويمين ، شمال ، وأمام ، وخلف ، وعرفنا أن الهبوط سهل لأن الجاذبية تساعد عليه ، والمشي ماذا يعني ؟ المشي إلى يمين أو إلى شمال أو إلى أمام أو إلى خلف ، فهو فعل في الاستواء العادي الظاهر ، والذي يتعب هو أن يصعد الإنسان ، لأنه سيعاند الجاذبية ، وهو بذلك يحتاج إلى قوتين : قوة للفعل في ذاته ، والقوة الثانية لمعاندة الجاذبية . { وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ } وذلك بسبب مشقات التكليف لأنه لم يدخلها بعشق ، فلا يدخل إلى مشقات التكليف بعشق إلا المؤمن فهو الذي يستقبل هذه التكاليف بشرح صدر وانبساط نفس وتذكر بما يكون له من الجزاء على هذا العمل ، والذي يسهل مشقة الأعمال حلاوة تصور الجزاء عليها فالذي يجتهد في دروسه إنما يستحضر في ذهنه لذة النجاح وآثار هذا النجاح في نفسه مستقبلاً وفي أهله . أما الذي لا يستحضر نتائج ما يفعل فيكون العمل شاقاً عليه . { ومَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ … } [ الأنعام : 125 ] . والسماء هي كل ما علاك فأظلك ، فالجو الذي يعلوك هو سماء ، وكذلك السحابة ، وأوضح لنا ربنا أنه أقام السمٰوات السبع ، وهنا أراد بعض العلماء الذين يحبون أن يظهروا آيات القرآن كمعجزات كونية إلى أن تقوم الساعة ، أرادوا أن يأخذوا من هذا القول دليلاً جديداً على صدق القرآن ، وتساءلوا : من الذي كان يدرك أن الذي يصعد في الجو يتعب ويحتاج إلى مجهودين : الأول للعمل والثاني لمناهضة الجاذبية ولذلك يضيق صدره لأنه لا يجد الهواء الكافي لإمداده بطاقة تولد وقوداً . ونقول لهؤلاء العلماء : لا يوجد ما يمنع استنباط ما يتفق في القضية الكونية مع القضية القرآنية بصدق ، ولكن لنحبس شهوتنا في أن نربط القرآن بكل أحداث الكون حتى لا نتهافت فنجعل من تفسيرنا لآية من آيات القرآن دليلاً على تصديق نظرية قائمة ، وقد نجد من بعد ذلك من يثبت خطأ النظرية . إنه يجب على المخلصين الذي يريدون أن يربطوا بين القرآن لما فيه من معجزات قرآنية مع معجزات الكون أن يمتلكوا اليقظة فلا يربطوا آيات القرآن إلا بالحقائق العلمية ، وهناك فرق بين النظرية وبين الحقيقة فالنظرية افتراضية وقد تخيب . لذلك نقول : أبعد القرآن عن هذه حتى لا تعرضه للذبذبة . ولا تربطوا القرآن إلا بالحقائق العلمية التي أثبتت التجارب صدقها . وقائل القرآن هو خالق الكون ، لذلك لا تتناقض الحقيقة القرآنية مع الحقيقة الكونية لذلك لا تحدد أنت الحقيقة القرآنية وتحصرها في شيء وهي غير محصورة فيه . وتنبه جيداً إلى أن تكون الحقيقة القرآنية حقيقة قرآنية صافية ، وكذلك الحقيقة الكونية . { كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي ٱلسَّمَآءِ كَذٰلِكَ يَجْعَلُ ٱللَّهُ ٱلرِّجْسَ عَلَى ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ الأنعام : 125 ] . والرجس هو العذاب ، إنما يأتيهم بسبب كفرهم وعدم إقبالهم على التكليف . ويقول الحق بعد ذلك : { وَهَـٰذَا صِرَاطُ … } .