Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 130-130)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
ونلاحظ أنه قال هنا : { يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ } لأنه يريد أن يقيم عليهم الحُجة بأنه سبحانه لم يجرم أعمالهم ولم يضع لهم العقوبات إلا بعد أن بلغهم بواسطة الرسل فقد أعطاهم بلاغاً بواسطة الرسل عما يجب أن يُفعل ، وما يجب أن يُترك . فلم يأخذهم - سبحانه - ظلماً . وهنا وقفة فالخطاب للجن والإنس { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ } فقال بعض العلماء : إن الجن لهم رسل ، والإنس لهم رسل ، وقال آخرون : الرسل من الإنس خاصة لأن القرآن جاء فيه على لسانهم : { إِنَّا سَمِعْنَا كِتَاباً أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ … } [ الأحقاف : 30 ] . إذن فقد احتج الجن بكتاب أنزل من بعد موسى عليه السلام وعندهم خبر عن الكتاب الذي جاء بعده ، كأن الجن يأخذون رسالتهم من الإنس فكأن الله قد أرسل رسلاً من الإنس فقط وبلغ الجن ما قاله الرسول ، وهو هنا يقول سبحانه : { يَامَعْشَرَ ٱلْجِنِّ وَٱلإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ … } [ الأنعام : 130 ] . وأنت حين تأتي إلى اثنين : أولهما معه مائه جنيه ، والثاني يسير معه وليس معه شيء وتقول : " هذان معهما مائه جنيه " فهذا قول صحيح . فقوله سبحانه : { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ } أي من مجموعكم . أو أن الرسل تأتي للإنس ، وبعد ذلك من الجن من يأخذ عن الرسول ليكون رسولاً مبلغاً إلى إخوانه من الجن : { وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوۤاْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْاْ إِلَىٰ قَوْمِهِم مُّنذِرِينَ } [ الأحقاف : 29 ] . فكأن المنذرين من الجن يأخذون من الرسل من الإنس وبعد ذلك يتوجهون إلى الجن . { أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي … } [ الأنعام : 130 ] . والآيات تطلق على المعجزات التي تثبت صدق الرسل ، وما يكون من شرح الأدلة الكونية الدالة على صدق الرسل . وكلمة { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي } أي يروون لهم الموكب الرسالي من أول " آدم " إلى أن انتهى إلى " محمد " صلى الله عليه وسلم . و { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي } قول يدل على دقة الأداء التاريخي لأن " قصّ " مأخوذ من قصّ الأثر ، ومعناها تتبع القدم بدون انحراف عن كذا وكذا ، وهكذا نجد أن المفروض في القصة أن تكون مستلهمة واقع التاريخ . { يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا … } [ الأنعام : 130 ] . وهو اليوم المخزي حيث سيقفون أمام الله ويذكرهم الحق أنه قد نبههم وقد أعذر من أنذر . { قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } [ الأنعام : 130 ] . وقولهم : { شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنْفُسِنَا } إقرار منهم على أنفسهم فقد شهدوا على أنفسهم ، ولكن ما الذي منعهم أن ينضموا إلى الإيمان بمواكب النبوة ؟ . تأتي الإجابة من الحق : { وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَاةُ ٱلدُّنْيَا } . والذي يغرّ هو الشيء الذي يكون له تأثير ، وهو موصوف بأنه " دنيا " ! ! لذلك فالغرور الذي يأتي بالدنيا هو قلة تبصّر . { وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ } . ومن يستقرئ آيات القرآن يجد آية تقول : { وَٱللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 23 ] . فمرة ينفون عن أنفسهم أنهم كفروا ، ومرة يثبتون أنهم كافرون ، وهذا لاضطراب المواقف أو اختلافها . أو أنهم { وَشَهِدُواْ عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ } بمعنى أن أبعاضهم شهدت عليهم لأن الإنسان في الدنيا له إرادة ، وهذه الإِرادة مسيطرة على ما له من جوارح وطاقات مخلوقة لله لأن الله جعل للإِرادة في الإِنسان ولاية على الأبعاض التي تقوم بالأعمال الاختيارية . لكن الأعمال الاضطرارية القهرية ليس للإِنسان إرادة فيها فلا أحد يملك أن يقول للقلب انبض كذا دقة في الساعة ، ولا أن يقول للأمعاء : تحركي الحركة الدّودية هكذا . لكنه يقدر أن يمشي برجليه إلى المسجد ، أو يمشي إلى الخمّارة . ويستطيع أن يقرأ القرآن أو يقرأ في كتاب يضر ولا يفيد . إذن فإرادة الإِنسان مسيطرة على الأبعاض لتحقق الاختيار المصحح للتكليف . لكن يوم القيامة تسلب الإِرادة التي للإِنسان على أبعاضه ، وتبقى الأبعاض كلها حُرّة ، وحين تصير الأبعاض حُرّة فالأشياء التي كانت تقبلها في الدنيا بقانون تسخيرها لإِرادتك قد زالت وانتهت ، فهي في الآخرة تشهد على صاحبها تشهد الجلود والأيدي والأرجل : { وَقَالُواْ لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا قَالُوۤاْ أَنطَقَنَا ٱللَّهُ ٱلَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ … } [ فصلت : 21 ] . وحين يقولون لربنا : ما كنا مشركين ، فهذا كلامهم هم ، لكن جوارحهم تقول لهم : يا كذابون ، أنتم عملتم كذا . ويقول الحق بعد ذلك : { ذٰلِكَ أَن لَّمْ يَكُنْ رَّبُّكَ … } .