Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 131-131)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ذٰلِكَ } إشارة إلى ما تقدم ، وهو إرسال الرسل مبلغين عن الله حتى لا يكون لأحد حُجة بعد الرسل ، وقد أقروا بأن الله أرسل إليهم رسلاً ، وشهدوا على أنفسهم ، وما داموا قد أقرّوا على أنفسهم بأن الله أرسل لهم رسلاً وشهدوا على أنفسهم بذلك ، إذن فهذا إقرار جديد بأن الله لم يكن مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون لأن الحق سبحانه وتعالى قبل أن يعاقب على جُرم ، وقبل أن يجرّم ينزل النص بواسطة الرسل . أي أن الله لا يهلكهم بسبب ظلم وقع منهم إلا بعد ذلك البلاغ . { وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ } ، و " الغفلة " ضد اليقظة ، فاليقظة ، هي تنبّه الذهن الدائم ، و " الغفلة " أن تغيب بعض الحقائق عن الذهن ، ومعنى أن ربنا لا يهلك القرى بظلم وأهلها غافلون أي غير يقظين فلو أنهم كانوا يقظين ومتنبهين لما احتاجوا إلى الرسل لأن الله عندما خلق الخلق أرسل آدم إلى ذريته ، وكان المفروض كما يلقن الآباء الأبناء وسائل حياتهم أن يلقنوهم مع ذلك قيم دينهم . فكما أن الآباء يعلمون ذريتهم وسائل حياتهم ، ثم ينقلونها ويزيدون عليها بابتكاراتهم ، كان من الواجب على الآباء أن يقوموا بهذا العمل بالنسبة للقيم فتعيش القيم في الناس كما عاشت وسائل حياتهم . ولماذا - إذن - عاشت وسائل حياتهم وتوارثوها وزادوا عليها أشياء ؟ ! لأن زاوية الدين هي التي يغفل الناس عنها ، بسبب أنها تقيد حركتهم في " افعل " و " لا تفعل " ، ولكنهم يريدون الترف في وسائل حياتهم . لماذا إذن أيها الإِنسان تحرص على الترقي في ترف الحياة ولا تحرص على الترقي في القيم ؟ . لقد كنت - على سبيل المثال - تشرب من الماء أو النبع بيدك ثم صنعت كوباً لتشرب منه ، ونقيت الماء من الشوائب ونقلته من المنابع في صهاريج . أنت ترفه حياتك المادية والمعيشية فأين إذن الاهتمام بقيم الدين ؟ ! ! ولو كانوا متيقظين لكان كل أب قد علم ابنه ما ورثه من آبائه من القيم ، وعلى الرغم من ذلك رحم الحق سبحانه وتعالى هذه الغفلة ، وكرّر التنبيه بواسطة الرسل . وكلما انطمست معالم القيم التي يحملها المنهج فهو - جل وعلا - يرسل رسولاً رحمة منه وفضلاً وعدالة ، ولم يكن يهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ، والغفلة ضد اليقظة . إذن لو كانوا متيقظين لما كانت هناك ضرورة للرسل لأن الآباء كانوا سينقلون لأبنائهم القيم كما ينقلون إليهم وسائل حياتهم ، وهذا الأمر مستمر معنا حتى الآن إن الأب - مثلاً - إن غاب ابنه عن المدرسة يوماً يلوم الابن ، وإن أهمل في دروسه أو رسب فهو يعاقب الابن ، وهذه هي الغيرة على المستقبل المادي للابن ، ولا غيرة على أدائه لفروض الدين ، لماذا ؟ . إن الناس لو عنوا بمسائل قيمهم كما يعنون دائماً بمسائل حياتهم لاستقام منهج الخير في الناس وأصبح أمراً رتيباً . وعرفنا أن الغفلة ضدها اليقظة ، كما أن السهو ضده التذكر ، والغروب ضده الشروق ، والغياب ضده الحضور . ويقول الحق بعد ذلك : { وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ … } .