Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 137-137)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وأيضاً نقلوا تلك القسمة الضيزى إلى ما يتعلق بذواتهم في الإنجاب والإنسال فشركاؤهم زيّنوا لهم قتل أولادهم ، و " التزيين " هو إدخال عنصر التحسين على شيء لشدة انجذاب النفس إليه ، وهو عملية تجميل لحقيقة وجوهر ، وبذلك يكون التزيين أمراً عرضيّاً طارئاً ، ووجه التزيين أنهم كانوا إما أغنياء ، وإما فقراء ، فإن كانوا فقراء يقول الواحد منهم لماذا أجلب لنفسي همّاً على همّ ، وإن كانوا أغنياء يقول الواحد منهم : إن الأبناء سيأخذون منك ويفقرونك . إذن ففيه أمران : إما فقر موجود بالفعل ، وإما فقر مخوَّف منه ، ولذلك تجد الآيات التي تعرضت لهذا المعنى ، تأتي على أسلوبين اثنين فالعَجُز مختلف باختلاف الصدر ، والذين يحبون أن يستدركوا على أساليب القرآن لأنه مرة يقول : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم } [ الإسراء : 31 ] . ومرة ثانية يقول : { نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } [ الأنعام : 151 ] . فما الفرق بين العبارتين ؟ ونقول لمثل هذا القائل : أنت تقارن بين التذييل " نحن نرزقكم وإياهم " ، و " نحن نرزقهم وإياكم " . هذا تذييل لآية ، وهذه تذييل لآية ثانية . هات ذيل الآية مع صدرها نجد أن ذيل كل آية مناسب لصدرها . ومادام قد اختلف في الصدر فلابد أن يختلف في الختام ، ففي الآية الأولى يقول الحق سبحانه : " ولا تقتلوا أولادكم من إملاق " فالإملاق وهو الفقر واقع موجود . إذن فشغل الإنسان برزقه أولى من شغله برزق من يعوله من الأولاد ، فيقول الحق لهؤلاء : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلاَدَكُمْ مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } [ الأنعام : 151 ] . فالإملاق موجود ، وشغلهم برزق أنفسهم يملأ نفوسهم . لذلك يقول لهم : " نرزقكم وإياهم " فيطمئنهم سبحانه نحن نرزقكم ثم نرزقهم . أما إن كان الإملاق غير موجود فالحق يقول : { وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم } [ الإسراء : 31 ] . أي لا تقتلوا أولادكم خوفاً من فقر ، فأنتم تملكون رزقكم ، وحين يأتي الأولاد نرزقهم ونرزقكم معهم . وهكذا نرى أن الصدر مختلف في الآيتين ، وكذلك العجز ، والشركاء كانوا يزينون قتل الأولاد ، وهذه مسألة تحتاج إلى تزيين قاس لأن حب الأبناء غريزة في النفس البشرية ، والنفس تحب أن يكون لها ذرية لأن الإنسان يفهم أنه مهما طال عمره فسوف يموت فيحب أن يظل اسمه في الأجيال المتتابعة . ونجد الإنسان وهو ممتلئ بالسعادة حين يأتيه حفيد ، ويقول : لقد ضمنت ذِكْري لجيلين قادمين ، وينسى أن الذكر الحقيقي هو الذي يقدمه الإنسان من عمل ، لا ذكرى الأبناء وحب امتداد الذات . وقتل الأبناء يحتاج إلى تزيين شديد ، كأن يقال : إن أنجبت أبناء فسيفقرونك ويذلونك ، فأنتم أمة غارات وأمة حروب وكل يوم يدخلك أبناؤك في قتال ونزال فتكون بين فقد لأبنائك أو انتهاب لمالك ، وإن كانوا بنات فسيتم سبيهن من بعدك ، وهكذا تكون المبالغة في الإغراء لعملية تناقض الفطرة السليمة في امتداد النسل . { وَكَذٰلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكَآؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ … } [ الأنعام : 137 ] . و { لِكَثِيرٍ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } تفيد أن بعضهم كان يرفض قتل الأولاد ، و " يردوهم " من الردى ، وهو الهلاك ، والموت . { ولِيَلْبِسُواْ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ } [ الأنعام : 137 ] . أي يخلطوا عليهم الدين ، فهل كان عندهم دين ؟ . لقد ورث هؤلاء من أمر قيم الدين ما كان سابقاً وهو ما كانوا عليه من دين إسماعيل عليه السلام حتى مالوا وزالوا عنه إلى الشرك ، إنهم زينوا لهم أعمالاً ليوردوهم موارد الهلكة . وحاولوا أن يخلطوا عليهم ما بقي لهم من دين . { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } [ الأنعام : 137 ] . لأن وأد الأولاد وقتلهم إنما ينافي فكرة خلق الله ، فهل يخلق الله لتقتل أنت ؟ ! كأنهم يصادمون إرادة الإِيجاد من الحق سبحانه وتعالى ، لكنّه - سبحانه - لو شاء ما فعلوا ذلك ، فهو قد أعطاهم الاختيار ، ومن باب الاختيار ينفذون إلى كل مراد لهم ، ولو لم يخلق الله فيهم اختياراً ما فعلوا ذلك لأنه لو أراد ألا يضلوا لما فعلوا ، وقد أراد الله أن يوجد خلقاً لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون وهم الملائكة . إذن فهذه المسألة ليست عزيزة على الله ، وسبحانه ساعة يقهر على مراد له ، إنما يكون ذلك لمصلحة المخلوق ، وساعة يتركه مختاراً فمن إمداد الخالق له بالاختيار ولا يفعل المختار شيئاً غصباً عن الله لأن الألوهية تقتضي أمرين اثنين : تقتضي قدرة تتجلى في الأشياء القهرية التي لا يستطيع العباد أن يقفوا أمامها ، والإِنسان هو الكائن الوحيد الذي له حق الاختيار بين البديلات في مراداته ، أما بقية الكون فسائر بقانون التسخير وليس له اختيار . والكائنات المسخرة أثبتت لله طلاقة القدرة ، ولكنها لا تثبت لله محبوبية المخلوق لأن المحبوبية تنشأ من أنك تكون حرًّا في أن تفعل ، ولكنك تؤثر فعلاً مراد لله على مرادك . { وَلَوْ شَآءَ ٱللَّهُ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ } . و " الافتراء " هو الاختلاق والكذب المتعمد ، وهم مفترون ، لأنهم أرادوا أن يغيروا صدق الواقع في الإِنجاب ، فقد خلق الله الزوجين - الذكر والأنثى - من أجل الإِنجاب . ويقول سبحانه من بعد ذلك : { وَقَالُواْ هَـٰذِهِ أَنْعَامٌ … } .