Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 146-146)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هنا يأتي الحق بالتحريم الثاني ، وهو التحريم للتهذيب والتأديب ، مثلما قال من قبل : { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } [ النساء : 160 ] . فـ " الظُفُر " هو ما يظهر عندما ننظر إلى أقدام بعض الحيوانات أو الطيور ، فهناك حيوانات نجد تشقق إصبعها ظاهراً والأصابع مفصلة ومنفرجة بعضها عن بعض ، فهذه ليست حراماً عليهم ، ونوع آخر نجد أصابعها غير مفصولة وغير منفرجة مثل الإبل ، والنعام ، والبط ، والأوز وهي ذو الظُفُر . فكل ذي ظُفُر حُرّم على اليهود ، وقد حرم عليهم لا لخبث وضرر في المأكول ، ولكن تأديباً لهم لأنهم ظلموا في أخذ غير حقوقهم لذلك يحرمهم الله من بعض ما كان حلالاً لهم فالأب يعاقب ابنه الذي أخذ حاجة أخيه اعتداء فيمنع عنه المصروف ، والمصروف في ذاته ليس حراماً ، ولكن المنع هنا للتأديب . والحق هو القائل : { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ كَثِيراً * وَأَخْذِهِمُ ٱلرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ } [ النساء : 160 - 161 ] . ولأنهم فعلوا كل ذلك يأتي لهم التحريم عقاباً وتأديباً . { وَعَلَى ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ ٱلْبَقَرِ وَٱلْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَآ إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ أَوْ مَا ٱخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ } [ الأنعام : 146 ] . وأنت حينما تذبح الذبيحة تجد بعضاً من الدهن على الكلى ، ونجد في داخلها ما يسمونه " منديل الدهن " وكذلك " ألية الخروف " ، وحين تقطع الرأس تجد فيها نوعاً من الدهون ، وقد حرّم الحق عليهم في البقر والغنم شحومهما . وكذلك { كُلَّ ذِي ظُفُرٍ } مُحرّم كله . وهناك استثناء في البقر والغنم هو : { إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوِ ٱلْحَوَايَآ } [ الأنعام : 146 ] . أي أحل لهم ما هو فوق الظهر من الشحم ، وأحل لهم ما حملته الحوايا من الشحوم و " الحوايا " جمع حوية أو حاوية أو حاوياء وهي ما تحوّي من الأمعاء أي تجمع واستدار ، وفي الريف تقول المرأة عن قطعة القماش التي تبرمها وتلفها وتصنع منها دائرة مستديرة تضعها على رأسها لتحميه عندما تحمل فوقه الأشياء تقول : صنعت " حواية " والحواية هنا هي الأمعاء الغليظة ، وطولها كذا متر ، ومن حكمة تكوينها الربانية نجدها تلتف على بعضها ، ولذلك اسمها " الحوايا " ، وهي ما نسميه " الممبار " . وكذلك حلل لهم ما اختلط بعظم في القوائم والجنب والرأس والعين ، وكذلك أحل لهم شحماً اختلط بعظم منه الألية ، لأن الألية تمسك بِعَجْب الذنب . أي أصله ، وهو الجُزَيْء في أصل الذّنب عند رأس العُصْعُص . ولأنه رحيم فهو ينزل عقوبة فيها الرحمة فيبيح له شيئاً ويحرم شيئاً آخر . ويذيل الحق الآية بقوله : { ذٰلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ } . وليس هذا التحريم تعدًّياً عليهم ، أو تعنتاً في معاملتهم ، بل لأنهم بَغَوْا ، والباغي يجب أن يأخذ حظه من الجزاء حتى يفكر ماذا يحقق له البغي من النفع ، وماذا يمنع عنه من النفع أيضاً ، وحين يقارن بين الاثنين قد يعدل عن بغيه ، وهم قد صدّوا عن سبيل الله ، وأخذوا ربا لينمّوا أموالهم وأكلوا أموال الناس بالباطل ، لذلك حرّم عليهم الحق بعض الحلال . وسبحانه صادق في كل بلاغ عنه ، ونعرف بذلك أن علة التحريم لبعض الحلال كانت بسبب ظلمهم وما بدر منهم من المعاصي فكان التحريم عقوبة لهم . ويقول الحق سبحانه بعد ذلك : { فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَّبُّكُمْ … } .