Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 164-164)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

معنى الرب أنّه هو الذي تولى التربية ، وله السيادة ، وكل شيء في الوجود مربوب لله ، فكيف أخذ شيئاً من الأشياء التي هو ربها ليكون شريكاً له ؟ ! ! إن ذلك لا يصح أبداً . { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً } . وهذا إنكار يأتي في صورة استفهام من كل سامع . وكأن الحق يقول لكل منا : أعرض هذا على ذهنك عرضاً غير متحيّز ، وأنا سأئتمنك على الجواب . ولا يقال ذلك إلا وقد تأكد أن الجواب يكون : لا ، فلو كان الجواب يحتمل هذه أو تلك لما آمنك على الجواب . وكأنه يقول : إن أي عاقل يجيب على هذا السؤال سيوافقني في أنه لا ينبغي أن يتخذ غير الله ربًّا . { قُلْ أَغَيْرَ ٱللَّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا } [ الأنعام : 164 ] . و " أبغى " أي أطلب ، و " تكسب " مأخوذة من مادة " كسب " و " اكتسب " ، و " كسب " دائماً تأتي في الخير - كما علمنا من قبل - ، و " اكتسب " تأتي في الشر . لكنْ هناك أناس يعتادون على فعل السيئات ولم تعد تكلفهم شيئاً ، فكأنها لسهولة ذلك عليهم تعتبر كسباً . ومن الحمق أن تقول هذا كسب ، وهو عليك وليس لك لأنك حين تنظر إلى التسمية نفسها تفهم أنها ليست رصيداً لك بل عليك . { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } [ الأنعام : 164 ] . والوزر هو الحمل الشاق ، وإن اشتق منه شيء فإن المشقة والصعوبة تلازمه ككلمة " وزير " ، والحق هو القائل : { وَٱجْعَل لِّي وَزِيراً مِّنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * ٱشْدُدْ بِهِ أَزْرِي } [ طه : 29 - 31 ] . كأن موسى عليه السلام عرف أن حمل الرسالة إلى اليهود عملية شاقة فقال لله : أعطني أخي يساعدني في هذه المشقة . والحق هو القائل : { أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * وَوَضَعْنَا عَنكَ وِزْرَكَ * ٱلَّذِيۤ أَنقَضَ ظَهْرَكَ } [ الشرح : 1 - 3 ] . وكان النبي عليه الصلاة والسلام في أول استقباله للوحي قد عانى من وقع هذه العملية وكان أمرها شاقاً عليه لأن المسألة تقتضي التقاءات مَلَكية ببشرية ، ولابد أن يحدث تفاعل ، وهذا التفاعل الذي كان يظهر على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحمر وجهه ، ويتصبب منه العرق ، وبعد ذلك يقول : زملوني زملوني ودثروني ، وإن كان قاعداً وركبته على ركبة أحد بجانبه فيشعر جاره بالثقل ، وإن كان على دابة تئط وتئن تعباً ، لأن التقاء الوحي برسول الله صلى الله عليه وسلم يحتاج إلى أمرين : إما أن يتحول الوحي وهو حامل الرسالة إلى بشرية مماثلة لبشرية الرسول ، وإما أن الرسول ينتقل إلى ملائكية تتناسب مع استقباله للملك . وهكذا كان التقاؤه بالملكية يتطلب انفعالاً وتفاعلاً . لكن لما أنس صلى الله عليه وسلم بالوحي وعرف حلاوة استقباله نسي المتاعب ، ولذلك عندما فتر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتاق إليه . وكان الوحي من قبل ذلك يتعبه ، ويجهده ، فأراد الحق سبحانه وتعالى أن يبقى في نفسه حلاوة ما أوحي به إليه ، وتهدأ نفسه وترتاح ويشتاق إلى الوحي ، فإذا ما استقبل الوحي بشوق فلن يتذكر المتاعب . { وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّكُمْ مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [ الأنعام : 164 ] . إذن مادة الوزر هي الثقل بمشقة ، أي لا يحمل إنسان مشقة ثقيلة عن آخر فالمسئولية لا تتعدى إلا إذا تعدى الفعل ، وعرفنا من قبل الفارق بين من ضل في ذاته ، ومن أضل غيره ليحمل أوزاره مع أوزارهم لتعديه بإضلالهم . وسنعود جميعاً إلى ربنا لينبئنا بما كنا فيه نختلف . ويقول جل وعلا بعد ذلك : { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَكُمْ … } .