Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 17-17)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
والضر هو ما يصيب الكائن الحي مما يخرجه عن استقامة حياته وحاله . فعندما يعيش الإنسان بغير شكوى أو مرض ويشعر بتمام العافية فهو يعرف أنه سليم الصحة لأنه لا يشعر بألم في عيونه أو ضيق في تنفسه أو غير ذلك ، لكن ساعة يؤلمه عضو من أعضاء جسمه فهو يضع يده عليه ويشكو ويفكر في الذهاب إلى الطبيب . إذن فاستقامة الصحة بالنسبة للإنسان هي رتابة عمل كل عضو فيه بصورة لا تلفته إلى شيء . ويلفت الحق أصحاب النعم عندما يرون إنساناً من حولهم وقد فقد نعمة ما ، فساعة تسير في الشارع وترى إنساناً فقد ساقه فأنت تقول : " الحمد لله " لأنك سليم الساقين . كأنك لا تدرك نعمة الله في بعض منك إلا إن رأيتها مفقودة في سواك . وهكذا نعلم أن من الآلام والآفات منبهات للنعم . وأيضاً قد تصيب منغصات الحياة الإنسان ليعلم أنه لم يأخذ نعم الله كلها فيقول العبد لحظتها : يا مفرج الكروب يارب ، ولذلك تجد الإنسان يقول : " يارب " حينما تأتيه آفة في نفسه ويفزع إلى الله . وقد قالها الله عن الإنسان : { وَإِذَا مَسَّ ٱلإِنسَانَ ٱلضُّرُّ دَعَانَا لِجَنبِهِ أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إِلَىٰ ضُرٍّ مَّسَّهُ كَذٰلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ يونس : 12 ] . فالإنسان عندما يحس ضعفه إذا ما أصابه مكروه لا يمل دعاء الله ، سواء أكان الإنسان مضطجعاً أم قاعداً أم قائماً ، وعندما يكشف الحق عنه الضر قد ينصرف عن جانب الله ، ويستأنف عصيان الله وكأنه لم يدع الله إلى كشف الضر ، وهذا هو سلوك المسرفين على أنفسهم بعصيان الله . والنفس أو الشيطان تزين للعاصي بعد انكشاف الضر أن يغوص أكثر وأكثر في آبار المعاصي وحمأة الرذيلة . وقد ينسب الإنسان كشف الضر لغير الله ، فينسب انكشاف الضر إلى مهارة الطبيب الذي لجأ إليه ، ناسياً أن مهارة الطبيب هي من نعم الله . أو ينسب أسباب خروجه من كربه إلى ما آتاه الله من علم أو مال ، ناسياً أن الله هو واهب كل شيءٍ ، كما فعل قارون الذي ظن أن ماله قد جاءه من تعبه وكده وعلمه ومهارته ، ناسياً أن الحق هو مسبب كل الأسباب ، ضُرّاً أو نفعا ، فسبحانه هو الذي يسبب الضر كما يسبب النفع . ويلفت الضر الإنسان إلى نعم الحق سبحانه وتعالى في هذه الدنيا . وإذا ما رضي الإنسان وصبر فإن الله يرفع عنه الضر لأن الضر لا يستمر على الإنسان إلا إذا قابله بالسخط وعدم الرضا بقدر الله . ولا يرفع الحق قضاء في الخلق إلا أن يرضى خلق الله بما أنزل الله ، والذي لا يقبل بالمصائب هو من تستمر معه المصائب ، أما الذي يريد أن يرفع الله عنه القضاء فليقبل القضاء . إن الحق سبحانه يعطينا نماذج على مثل هذا الأمر فهاهوذا سيدنا إبراهيم عليه السلام يتلقى الأمر بذبح ابنه الوحيد ، ويأتيه هذا الأمر بشكل قد يراه غير المؤمن بقضاء الله شديد القسوة ، فقد كان على إبراهيم أن يذبح ابنه بنفسه ، وهذا ارتقاء في الابتلاء . ولم يلتمس إبراهيم خليل الرحمن عذراً ليهرب من ابتلاء الله له ، ولم يقل : إنها مجرد رؤيا وليست وحياً ولكنها حق ، وقد جاءه الأمر بأهون تكليف وهو الرؤيا ، وبأشق تكليف وهو ذبح الابن ، ونرى عظمة النبوة في استقبال أوامر الحق . ويلهمه الله أن يشرك ابنه اسماعيل في استقبال الثواب بالرضا بالقضاء : { فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ ٱلسَّعْيَ قَالَ يٰبُنَيَّ إِنِّيۤ أَرَىٰ فِي ٱلْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَٱنظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُنِيۤ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّابِرِينَ } [ الصافات : 102 ] . لقد بلغ إسماعيل عمر السعي في مطالب الحياة مع أبيه حين جاء الأمر في المنام لإبراهيم بأن يذبح ابنه ، وامتلأ قلب إسماعيل بالرضا بقضاء الله ولم ينشغل بالحقد على أبيه . ولم يقاوم ، ولم يدخل في معركة ، بل قال : { يٰأَبَتِ ٱفْعَلْ مَا تُؤمَرُ } [ الصافات : 102 ] . لقد أخذ الاثنان أمر الله بقبولٍ ورضا لذلك يقول الحق عنهما معاً : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَن يٰإِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ ٱلرُّؤْيَآ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ * إِنَّ هَـٰذَا لَهُوَ ٱلْبَلاَءُ ٱلْمُبِينُ * وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } [ الصافات : 103 - 107 ] . لقد اشترك الاثنان في قبول قضاء الله ، وأسلم كل منهما للأمر أسلم إبراهيم كفاعل ، وأسلم إسماعيل كمنفعل ، وعلم الله صدقهما في استقبال أمر الله ، وهنا نادى الحق إبراهيم عليه السلام : لقد استجبت أنت وإسماعيل إلى القضاء ، وحسبكما هذا الامتثال ، ولذلك يجيء إليك وإلى ابنك اللطف ، وذلك برفع البلاء . وجاء الفداء بِذِبْحٍ عظيم القدر ، لأنه ذِبْحٌ جاء بأمر الله . ولم يكتف الحق بذلك ولكنَّ بشرَ إبراهيم بميلاد ابن آخر : { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيّاً مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } [ الصافات : 112 ] . لقد رفع الله عن إبراهيم القدَر وأعطاه الخير وهو ولد آخر . إذن فنحن البشر نطيل على أنفسنا أمد القضاء بعدم قبولنا له . لكن لو سقط على الإنسان أمر بدون أن يكون له سبب فيه واستقبله الإنسان من مُجريه وهو ربه بمقام الرضا ، فإن الحق سبحانه وتعالى يرفع عنه القضاء . فإذا رأيت إنساناً طال عليه أمد القضاء فاعلم أنه فاقد الرضا . ونلحظ أن الحق هنا يقول : { وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ } الله سبحانه وتعالى يعلم أن أي عبد لا يتحمل أن يضره الحق فقوة الحق لا متناهية ولذلك يكون المس بالضر ، وكذلك بالخير فالإنسان في الدنيا لا ينال كل الخير ، إنما ينال مس الخير فكل الخير مدخر له في الآخرة . ونعلم أن خير الدنيا إما أن يزول عن الإنسان أو يزول الإنسان عنه ، أما كل الخير فهو في الآخرة . ومهما ارتقى الإنسان في الابتكار والاختراع فلن يصل إلى كل الخير الذي يوجد في الآخرة ، ذلك أن خير الدنيا يحتاج إلى تحضير وجهد من البشر ، أما الخير في الآخرة فهو على قدر المعطي الأعظم وهو الله سبحانه وتعالى . إذن فكل خير الدنيا هو مجرد مس خير لأن الخير الذي يناسب جمال كمال الله لا يزول ولا يحول ولا يتغير ، وهو مدخر للآخرة . ولا كاشف لضر إلا الله فالمريض لا يشفى بمجرد الذهاب إلى الطبيب ، لكن الطبيب يعالج بالمهارة الموهوبة له من الله ، والذي يَشفي هو الله . { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] . لأن الحق سبحانه وتعالى قد خلق الداء ، وخلق الدواء ، وجعل الأطباء مجرد جسور من الداء إلى الدواء ثم إلى الشفاء ، والله يوجد الأسباب لِيُسرَّ ويُفْرِح بها عباده ، فيجعل المواهب كأسباب ، وإلا فالأمر في الحقيقة بيده - سبحانه وتعالى - . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " تَدَاوَوْا عبادَ الله فإن الله تعالى لم يضع داء إلا وضع له دواء غير داء واحد : الهِرَم " . ونحن نرى أن الطبيب المتميز يعلن دائماً أن الشفاء جاء معه ، لا به . ويعترف أن الله أكرمه بأن جعل الشفاء يأتي على ميعاد من علاجه . إذن فالحق هو كاشف الضر ، وهو القدير على أن يمنحك ويَمَسَّك بالخير . وقدرته لا حدود لها . ويقول الحق من بعد ذلك : { وَهُوَ ٱلْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ … } .