Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 18-18)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقد رتب سبحانه وتعالى الكون والخلْق بأسباب ومسببات . وكل شيء موجود هو واسطة بين شيء وشيء ، فالأرض واسطة لاستقبال النبات ، والإنسان واسطة بين أبيه وابنه ، ولنفهم جميعاً أَنَّ الحقَ ، فوق عباده ، إنه غالب بقدرته ، يدير الكون بحكمة وإحاطة علم ، وهو خبير بكل ما خفي وعليم بكل ما ظهر . وهو القائل : { قُلْ هُوَ ٱلْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ٱنْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ ٱلآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ } [ الأنعام : 65 ] . سبحانه وتعالى له مطلق القدرة على أن يرسل العذاب من السماء أو من بطن الأرض ، أو أن يجعل بين العباد العداء ليكونوا متناحرين ليدفع بعضهم بعضا حتى لا تفسد الأرض { وَلَوْلاَ دَفْعُ ٱللَّهِ ٱلنَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ ٱلأَرْضُ } [ البقرة : 251 ] . فإياك أن تظن أيها الإنسان أن الحق حين يملِّك بعض الخلق أسباباً أنهم مالكو الأسباب فعلاً ، لا إن الحق سبحانه أراد بذلك ترتيب الأعمال في الكون . ولذلك ساعة نرى واحداً يظلم في الكون فإننا نجد ظالماً آخر هو الذي يؤدب الظالم الأول . ولا يؤدب الحق الشرير على يد رجل طيب ، إنما يؤدبه عن طريق شرير مثله : { وَكَذٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ ٱلظَّالِمِينَ بَعْضاً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ } [ الأنعام : 129 ] . لأنه سبحانه وتعالى يُجل المظلوم من أهل التقوى أن يكون له دور في تأديب الظالم ، إنما ينتقم الله من الظالم بظالم أو أقوى منه . وهذا ما نراه على مدار التاريخ القريب والبعيد ، فحين يتمكن العبد الصالح من الذين أساءوا إليه يقول ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم عندما دخل مكة حيث قال : " يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا : خيراً ، أخ كريم وابن أخ كريم ، قال : اذهبوا فأنتم الطلقاء " . أما إذا أراد الله الانتقام من شرير فهو يرسل عليه شريراً مثله يدق عنقه ، أو يجدع أنفه ، أو يذله حتى لا ينتشر ويستشري الفساد فسبحانه القاهر فوق عباده ، وهو قهر بحكمة وبعلم وليس قهر استعلاء وقهر جبروت وسيطرة . وحتى نوضح ذلك قد يجري الله على أحد عباده قَدَرًا بأن ينكسر ذراع ولده فيسوق الرجل ولده إلى طبيب غير مجرب ليقيم جبيرة لذراع الابن ، وتلتئم العظام على ضوء هذه الجبيرة في غير مكانها ، فيذهب الرجل بابنه إلى طبيب ماهر فيكسر يد الطفل مرة أخرى ليعيد وضع العظام في مكانها الصحيح . إن هذا الكسر كان لحكمة وهي استواء العظام ووضعها الوضع السليم . ولا يغيظ عبد من العباد الخالق أبداً ، ولكن الحق ينتصف للمغيظ . ونعلم أن الإنسان مخير بين الإيمان والكفر ، فإن كفر وعصى فليس له في الآخرة إلا العذاب ، إلا أن الله يجري عليه قَدَر المرض فلا يستطيع أن يتمرد عليه لأنه سبحانه قاهر فوق عباده بدليل أنه متحكم في أشياء لا خيار للعباد فيها . وما دام الإنسان منا محكوماً بقوسين ولا رأي له في ميلاده أو موته فلماذا - إذن - التمرد بالعصيان على أوامر الله ؟ ولنعلم أن الحق هو القاهر فوق عباده بقهر الحكمة وسبحانه يضع لكل أمر المجال الذي يناسبه وهو خبير بمواطن الداءات ، ويعالج عباده منها على وفق ما يراه . ويقول الحق من بعد ذلك : { قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادةً … } .