Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 33-33)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لقد شرح الحق حال الكفار وموقفهم في الآخرة حين يقفون على النار ، ويقفون أمام الله ، ومن بعد ذلك يوجه الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تقع عليه مشقة البلاغ من الله لهؤلاء الكفار ، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم حزيناً لأن قومه لا يذوقون حلاوة الإيمان ، وهو الرسول الذي قال عنه الحق سبحانه وتعالى : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] . وكان صلى الله عليه وسلم يحرص على أن يكون كل الناس مؤمنين ، ويتألم لمقاومة بعض الناس دعوة الإيمان ، إنه صلى الله عليه وسلم كان حريصاً على الكافر ليؤمن على الرغم من أن مهمة الرسول هي البلاغ فقط ، ولو شاء الحق أن يجعل الناس كلهم مؤمنين لأنزل عليهم آية تجعلهم جميعاً مؤمنين : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ * إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِّنَ ٱلسَّمَآءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ } [ الشعراء : 3 - 4 ] . لكن الحق سبحانه وتعالى لا يريد خضوع أعناق ، وإنما يريد خضوع قلوب . إنه - سبحانه - يريد أن يأتي الناس طواعية واختياراً ليثبتوا الحب للخالق لذلك يقول الحق لرسوله صلى الله عليه وسلم : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ } وساعة نسمع : " قد " فلنعرف أن ما يأتي بعدها هو أمر محقق ، ويأتي ذلك إذا دخلت على الفعل الماضي فهي في هذه الحالة تأتي لتسبق أمراً تحقق ، ومرة تأتي للتقليل أو للتكثير إذا دخلت على الفعل المضارع الذي يدل على الحال أو الاستقبال ، فإذا كان العامل والمعمول بينهما ارتباط سبب … فهذا للتكثير ، وإذا كان ظاهر الأمر غير مرتبط ارتباطاً واضحاً … فهذا للتقليل . والمثال على الارتباط الذي يدل على التكثير هو قول القائل : قد ينجح المُجدّ لأن المجِدَّ والنجاح مرتبطان ارتباط سببية ، ولكن قد يكون هناك حادث مفاجئ لأحد المجدين فلا يستطيع النجاح ، كأن يمرض يوم الامتحان ، ولكن احتمال الصحة أكثر من احتمال المرض فكانت للتكثير . والمثال على مجيء " قد " للتقليل هو قول القائل : قد ينجح الكسول ، أي أن الكسول قد ينجح بالمصادفة وبدون أسباب منطقية ، كأن يقرأ عدداً من الدروس ليلة الامتحان فيأتي فيها الامتحان فينجح ، إذن قـ " قد " إذا دخلت على الماضي تكون للتحقيق ، وإن دخلت على المضارع فهي للتكثير إن كانت منطقية الأسباب ، وهي للتقليل إن كانت غير منطقية الأسباب . ولكن كلنا يعلم أن علم الله هو علم أزلي ، ولا قوة ولا أمر يخرجان عن معلوم الله . إذن فـ " قد " هنا للتحقيق وهي داخلة على الفعل المضارع ، فالحق أراد أن يبلغنا أنه علم أزلاً بما حدث وجاء بـ " قد " لنستحضر صورة الفعل : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ } . والحزن هو خروج النفس من سياق انبساطها فالإنسان يكون غاية في الاستقامة والسرور عندما يكون كل جهاز من أجهزته يؤدي مهمته ، فإن حدث شيء يخل بعمل أحد الأجهزة فذلك يورث الحزن . أو يكون الحزن انفعالا لمجيء وحصول أمر غير مطلوب للنفس . لقد كان مطلب الرسول صلى الله عليه وسلم أن يؤمن كل الذين استمعوا إلى البلاغ عنه ، لكن البعض قاوم الإيمان ، والبعض اتهم الرسول بالسحر أو الجنون أو قول الشعر ، وها هوذا الحق يسلي رسوله فيقول : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ } أي إنك يا محمد لا بد لك أن تعلم أن أقوالهم هذه ليست متعلقة بك لأنك - بإجماع الآراء عندهم - أنت الصادق الأمين . وهم إنما يكذِّبون بآياتي التي أرسلتها معك إليهم لأن ماضيك معهم هو الصدق والأمانة ، بدليل أن الكافر منهم كان لا يأمن أحداً على شيء من أمواله ونفائسه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم . والإنسان لا يغش نفسه فيما يخصه . فكأن الله يريد أن يتحمل عن رسوله لأن من يوجه إهانة للرسول إنما يوجهها للمرسِل له وهو الله جلت قدرته . ولذلك يقول الحق : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } وسبحانه يبين لنا أن رسوله صلى الله عليه وسلم كان حريصاً أشد ما يكون الحرص على أن تستجيب أمته لداعي الحق ، حتى يتأكد لدى المؤمنين قول الحق سبحانه وتعالى في رسوله : { لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِٱلْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ } [ التوبة : 128 ] . ولا معنى للحرص إلا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا يفلت أحد من قومه عن منهجه وعن دينه . ولكن الحق سبحانه وتعالى جعل أمر الدين اختيارياً حتى يعلم من يجيء له طواعية ويقدر ألا يجيء ، ومن لا يجيء وهو قادر أن يجيء . إن الحق سبحانه وتعالى له سنن كونية في الكون يجريها على كل الخلق . وقد يتساءل قائل : وما الذي يجعل الحق سبحانه وتعالى يترك للكفر به مجالاً في دنياه ؟ ولماذا يجعل الحق سبحانه وتعالى للشر مجالاً في دنياه ألا يحكمها بهندسة حكيمة ؟ ونقول : لو لم يوجد للشر مضار تُفْزِّع الناسَ لما عرفوا للحق حلاوة . إذن فوجود الشر ، ووجود الكفر ، وآثار الكفر في الناس جبروتاً وقهراً واستذلالاً ينادي في الناس أنه لا بد من الإيمان ، وأنه لا بد من وجود الخير . فلو لم يكن للشر مكان في الكون فما الذي يلفت الناس إلى الخير ؟ ولذلك تجد أن هبات الإيمان عند المؤمنين لا تأخذ فتوتها إلا حين تجد قوماً من خصوم الإيمان يهيجون المؤمنين ويؤذونهم ويستفزونهم . أما إذا صارت الدنيا إلى رتابة فربما فتر أمر الإسلام في نفوس المسلمين . ولذلك نجد المؤمنين بالله في غيرة دائمة لأن هناك من يكفر بالله . فيقول لرسوله : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ } وكأنه سبحانه يبلغنا أنه أراد كونه ليكون فيه المؤمن والكافر . لذلك إن تساءلت - أيها المسلم - كيف يكون في الأرض كافرون ؟ فلك أن تعلم أنهم من خلق الله أرادهم الحق أن يختاروا الكفر فلم يختاروا الكفر قهرا عنه - سبحانه - وكان سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يحزن لأن هناك أناساً لم يؤمنوا ، فيسليه الحق سبحانه وتعالى ، بأنه يعلم أنه يحزنه الذي يقولون من الكفر ومن اتهامات لرسول الله . ألم يقولوا إنه ساحر ؟ ألم يقولوا إنه مجنون ؟ ألم يقولوا إنه كاذب ؟ ألم يقولوا إنه كاهن ؟ ألم يقولوا إنه شاعر ؟ وسبحانه وتعالى يعلم ما قالوا ويعلم أن هذه الأقوال تحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويريد الحق سبحانه أن يرفع ويدفع هذا الحزن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبلغه أنهم لا يكذبونك يا رسول الله فأنت تعرف منزلتك عندهم وهي منزلة الصادق الأمين ، ولا يجرؤ أحد على تكذيبك ولكنهم يجحدون بآيات الله . وهل هناك تسلية أكثر من ذلك . لا يمكن أن توجد تسلية أكثر من ذلك . ونعلم أن ما قاله أهل الشرك عن رسول الله هو قول مردود ، فهم أمة البلاغة والفصاحة والبيان ، فكيف يقولون إن القرآن شعر وهم أصحاب الدراية بالأساليب مرسلها ، ومسجوعها ، ونظمها ، ونثرها ؟ أمن المعقول أن يلتبس عليهم أسلوب القرآن بالشعر ؟ من المؤكد أن هذا غير ممكن . ولقد قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم : إنه ساحر ، فكيف سحر الذين آمنوا به ولم يسحر الباقين ؟ ولو كان ساحراً لسحرهم أيضاً ، وبقاؤهم على الكفر ينقض هذا . وقالوا كاذب ، فهم بقولهم هذا يكذِّبُون أنفسهم لأنهم يعرفون عنه أنه الصادق الأمين ، وهاهوذا الحوار بين الأخنس بن شريق وأبي جهل . قال الأخنس : يا أبا الحكم ، ما رأيك فيما سمعت من محمد ؟ فقال أبو جهل : ماذا سمعت ! وهنا نسمع قول الغيرة والحسد والبغض ، نسمع عن تلك الأمور البعيدة عن موضوع الرسالة النورانية المحمدية فيقول أبو جهل : تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف ، أطعموا فأطعمنا ، وحملوا فحملنا ، وأعطوْ ا فأعطينا حتى إذا تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا منا نبيّ يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذا ! والله لا نؤمن به أبداً ولا نصدقه . فقام عنه الأخنس وتركه . إذن هي مسألة غيرة غاضبة على مناصب وسلطة زمنية ، ولذلك يرد الله عليهم قائلاً : { أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَّعِيشَتَهُمْ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ الزخرف : 32 ] . وها هو ذا الحق يسلي رسوله صلى الله عليه وسلم ويقول له : { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ ٱلَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } [ الأنعام : 33 ] . إنهم ظالمون ، لأن الظلم نقل حق إلى غير مستحقه . وأبشع أنواع الظلم هو الشرك لأن الحق سبحانه وتعالى هو المستحق وحده للعبادة ، والظلم الأخف وطأة هو أن ينقل الإنسان حقاً مكتسباً أو موهوباً إلى غير صاحبه وهذا ظلم موجود بين الناس . وقد نقل المشركون حق الذات الإلهية إلى غير مستحقها من أوثان وأصنام ، أما المؤمنون فهم الذين اعترفوا بحق الذات الإلهية في العبادة . وهناك نوع آخر من الظلم أريد أن أتحدث عنه ، وهو أن يظلم الإنسان اسمه ، كأن يكون والده قد سماه " مهدياً " ولكنه يملأ الدنيا فساداً بإيذاء نفسه وبإيذاء الآخرين . نقول لمثل هذا الإنسان : إن الواجب يقتضي منك أن تحترم أمل والدك فيك ، فلا تظلم اسمك " مهدياً " ولتكن هناك عدالة بين الاسم والمسمى وذلك بأن يكون سلوكك متوافقاً مع الاسم الذي سماك به أبوك . أما إن كان أبوه قد سماه " مهدياً " ولم يلقنه أي شيء من تعاليم الهدى والدين ، ثم خرج الشاب إلى الدنيا ليملأها بالشقاء لنفسه ولغيره ثم اهتدى من بعد ذلك فهذا شاب استطاع أن يتعلم الهداية فصار اسمه على مسماه . وقد كنا في الثلاثينيات من هذا القرن نسمع التحذيرات ونحن نزور القاهرة : " إياكم أن تطأوا بأقدامكم شارع عماد الدين لأن كل الموبقات في هذا الشارع " . وتعجبت أن يكون اسم الشارع " عماد الدين " ويكون مكاناً للموبقات فقلت في ذلك : @ وأقبح الظلم بعد الشرك منزلة أن يَظْلم اسماً مُسمّىً ضده جُبِلا فشارع كعماد الدين تسميةً لكنه لعناد الدين قد جُعلا @@ وفي الحياة كثير من حالات الأسماء يظلمها أصحابها . ولكن أكبر وأقبح درجات الظلم هو الشرك بالله { وَلَـٰكِنَّ ٱلظَّالِمِينَ بِآيَاتِ ٱللَّهِ يَجْحَدُونَ } والجحد هو إباء اللسان وترفعه وعدم رضاه بأن ينطق بكلمة الحق ، فلو أن المشركين خلوْا إلى أنفسهم واستعرضوا مسائل محمد ومسائل الرسالة لوجدوا أن قلوبهم مقتنعة بأنه صادق وأنه رسول وأن المنهج إنما جاء للهداية . لكن ألسنتهم غير قادرة على الاعتراف بذلك . ولذلك يأمر المنهج الإيماني أن على الواحد منا إن أراد أن يناقش قضية أهي حق أم باطل فلا يصح أن نناقشها في حشد من الناس ، ولكن فلنناقشها أولاً في نفوسنا لنتبين الحق فيها من الضلال ، ولذلك يقول الحق سبحانه : { قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مَثْنَىٰ وَفُرَادَىٰ ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ } [ سبأ : 46 ] . كأن الحق يهدينا إلى كيفية التمييز ، فإما أن نناقش أنفسنا ، وإما أن يتناقش اثنان حتى يمكن أن يقتنع أحدهما برأي الآخر دون أن يشهد ثالث هزيمته فيكابر ويجادل . وقد نصح الحق بذلك هؤلاء الذين اتهموا رسول الله أن به - والعياذ بالله - مسَّاً من الجنون فالجنون هو أن تحدث الأفعال بلا مقدمات وبدون تدبر أو نظر في آثارها وتكون خالية من حكمة فاعلها . أما العاقل فهو الذي يرتب الأفعال بحكمة ويوازن ويدرس وينتهي به عقله وحكمته إلى حسن ما يفعل ويعامل الناس بانسجام وسوية خلقية عالية ، فهل أحد من المشركين أخذ على رسول الله صلى الله عليه وسلم أي سلوك يمكن أن يشير إلى عدم ترتيب الأفعال ؟ لا . ولذلك يقول الحق : { نۤ وَٱلْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ * مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم : 1 - 4 ] . إن الخلُق العظيم يتنافى مع الجنون ، وكذلك فعل كل قوم مع رسولهم ، إنَّهم رمَوْه بالسفه والجنون . فكلما جاء رسول لقومه بمنهج حق ليطمس معالم الباطل قابله قومه بمثل تلك المقابلة . ونعرف أن السماء لا تتدخل بالنبوات والمعجزات إلا حين يطم الفساد وتنطمس النفس المؤمنة . فالمؤمن فيه خميرة الخير فيندفع إلى فعل الخير . وإن حدثته نفسه بفعل معصية وفَعَلَها ، فإن نفسه اللوامة تؤنبه على ذلك ، لكن إن انطمست نفسه ولم تعد تلوم ، صارت نفسه الأمارة بالسوء هي المسيطرة وإن لم يجد من يقول له في المجتمع : لا تفعل ذلك … فالمجتمع كله يكون قد فسد . { كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ } [ المائدة : 79 ] . إذن السماء لا تتدخل برسالة أو معجزة أو منهج إلا حين يطم الفساد . وما دام قد طم الفساد فهناك من يستفيد من هذا الفساد . وحين يأتي الرسول من أجل أن يمنع الفساد فهذا الرسول يمنع عن المفسدين استغلال الناس ويحول بينهم وبين الاستفادة من الفساد . ولذلك كان لكل رسول مقاومة من المفسدين وكانوا يقولون : { وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ } [ هود : 27 ] . وأتباع كل رسول هم المظلومون الذين يحتاجون إلى منقذ . أما الجبابرة فهم يخاصمون الرسول ويقاومونه ، ويستقبله هؤلاء الجبابرة بإيذاء يتناسب مع مهمته . فإن كانت مهمته لقبيلة فالإيذاء يأتيه من هذه القبيلة . وإن كانت مهمته أوسع من ذلك فإنه يلقى من صنوف العذاب ألواناً . وما دام محمد صلى الله عليه وسلم رسولاً إلى الناس كافة فعليه أن يجد المتاعب الكثيرة ويتحملها . وقد أعده الله وهيأه لذلك ، وقد أخذ الرسل السابقون من الإيذاء على قدر دعوتهم . أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو للناس كافة ، ولا رسالة من بعده ، لذلك يتجمع ضد هذا الرسول وهذه الرسالة أقوام كثيرون . ولذلك يقول له الحق سبحانه : { وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ … } .