Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 38-38)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إنه سبحانه يوضح لنا : أنا أعطي الآيات التي أعلم أن الفطرة السليمة تستقبلها كآية وتؤمن بها . وأنزلت لكم القرآن لتؤمنوا بالرسول الذي يحمله منهجاً يُصلح حياتكم . وقد جعلتكم سادة للكون تخدمكم كل الكائنات ، لأنكم بنو آدم . وكان الأجدر بكم أن تنتبهوا إلى أن الحيوان في خدمتكم ، والنبات في خدمة الحيوان وخدمة الإنسان ، وكل كائنات الوجود تصب جهدها المسخر لخدمتكم . فإذا كنتُ قد جئتُ للأجناس كلها وجعلتُها دونكم وأعطيتها ما يصلحها ويقيمها ووضعت لها نظاماً ، وأعطيتها من الغرائز ما يكفي لصلاح أمرها حتى تؤدي مهمتها معكم على صورة تريحكم فإذا كان هذا هو شأننا وعملنا مع من يخدمكم فكيف يكون الحال معكم ؟ إنني أنزلت المنهج الذي يصلح حياة من استخلفته سيداً في الأرض . { وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } [ الأنعام : 38 ] . وكل الدواب دون الإنسان أعطاها الإله الإيمان بالفطرة ، وهداها إلى الرزق بالغريزة . وميز الإنسان فوق كل الكائنات بالعقل ، ولكن الإنسان يستخدم عقله مرة استخداما سليما صحيحا فيصل إلى الإيمان ، ويستخدمه مرة استخداما سيئا فيضل عن الإيمان . وكان على الإنسان أن يعلم أنه تعلم محاكاة ما دونه من الكائنات فقابيل تعلم من الغراب كيف يواري سوأة أخيه . ومصمم الطائرات تعلم صناعة الطيران من دراسة الطيور . إذن كان يجب أن يتعلم الإنسان أن له خالقاً جعل له من الأجناس ما تخدمه ليطور من حياته ومن رعاية كرامته بعد الموت . والمثال ما قالته نملة لبقية النمل : { حَتَّىٰ إِذَآ أَتَوْا عَلَىٰ وَادِ ٱلنَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يٰأَيُّهَا ٱلنَّمْلُ ٱدْخُلُواْ مَسَاكِنَكُمْ لاَ يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ } [ النمل : 18 ] . إن النمل أمة لها حرس ، قالت حارسة منهم هذا القول تحذيراً لبقية النمل . والله سبحانه يقول : { وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَـٰكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } [ الإسراء : 44 ] . إذن فكل أمة من تلك الأمم الكثيرة التي خلقها الله في الكون تسبح بحمده ، ولكن لا يفهم أحد لغات تلك الأمم . وأعلمنا الله أنه علم سيدنا سليمان لغات كل الأقوام وكل الأمم المخلوقة لله ، ولذلك عندما سمع سيدنا سليمان ما قالته النملة : تبسم { ضَاحِكاً مِّن قَوْلِهَا } [ النمل : 19 ] . وهكذا علمنا أن الله قد أعطى إذن سليمان عليه السلام ما جعلها تمتلك حاسية التقاط الذبذبة الصادرة من صوت النملة وتفهم ما تعطيه وتؤديه تلك الذبذبة ، لذلك تبسم سليمان عليه السلام من قولها لأن الله علمه منطق تلك الكائنات . ولو علمنا الله منطق هذه الكائنات لفقهنا تسبيحهم لله ، ونحن لا نفقه تسبيحهم لأننا لم نتعلم لغتهم . ومثال ذلك - ولله المثل الأعلى - قد يسافر إنسان عربي إلى بلاد تتحدث الإنجليزية وهو يجهل تلك اللغة ، فلا يفهم مما يقال شيئاً . إذن لو علمك الله منطق الطير ، ومنطق الجماد ، ومنطق النبات لعلمت لغاتهم . ألم يقل الحق سبحانه وتعالى : { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ ٱلْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ } [ الأنبياء : 79 ] . إن الجماد - الجبال - تسبح مع داود . وكذلك الطير فهاهوذا الهدهد قد عرف قضية التوحيد ، وحز في نفسه أنه رأى ملكة سبأ وقومها يسجدون للشمس من دون الله : { وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ ٱلشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ } [ النمل : 24 ] . إذن فالهدهد قد عرف قضية التوحيد ، وعرف أن للشيطان مداخل على الكائن الحي ، وعرف أن السجود إنما يكون لله سبحانه وتعالى : { أَلاَّ يَسْجُدُواْ للَّهِ ٱلَّذِي يُخْرِجُ ٱلْخَبْءَ فِي ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضِ } [ النمل : 25 ] . إذن كل الكائنات هي أمم أمثالنا . وقد يقول قائل : ولكن هناك كائنات ليست في السماء ولا في الأرض ، مثل الأسماك التي في البحار ؟ ونقول : إن الماء ثلاثة أرباع الأرض والسمك يسبح في جزء من الماء الذي هو جزء من الأرض . فهو يسبح في جزء من الأرض ، فسبحانه الذي خلق الدواب في الأرض ، وخلق الطيور ، وخلق الأدنى من هذه الأمم وهداها إلى مصلحتها ومصدر حياتها : { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } [ الأعلى : 2 - 3 ] . ونرى العلماء يحاولون الآن اكتشاف لغة الأسماك ، واكتشاف كل أسرار مملكة النحل ونظامها ، وكيف تصير أعشاش النمل مخازن في الصيف لقوت الشتاء . ودرسوا سلوك النمل مع حبة القمح ، وكيف تخلع النملة خلايا الإنبات من بذرة القمح ، لأن خلايا الإنبات إن دخلت مع حبة القمح إلى مخزن غذاء النمل قد تنبت وتدمر جحر النمل . وهكذا نرى صدق الحق الأعلى . { ٱلَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىٰ * وَٱلَّذِي قَدَّرَ فَهَدَىٰ } [ الأعلى : 2 - 3 ] . وقرون الاستشعار في النملة تثير العلماء لأن النملة الواحدة ترى على سبيل المثال قطعة السكر ، فلا تقربها ولكنها تذهب لاستدعاء جيش من النمل قادر على تحريك قطعة السكر ، ووجد العلماء أن وزن الشيء الذي يتغذى به النمل إن زاد على قدرة نملة ، فهي تستدعي أعداداً من النمل ليؤدوا المهمة . وتساءل العلماء : من أين للنمل إذن هذه القدرة على تحديد الكتلة والحجم والوزن ؟ إن تحديد العدد الذي يحمل حجماً محدداً يثير الغرابة والعجب ، فكيف يمكن أن نتصور أن النمل يفرق بين شيئين يتحد حجمهما ويختلف وزنهما ككتلة من حديد وأخرى تماثلها في الحجم من الأسفنج ؟ إن النمل يستدعي لكتلة الحديد أضعاف ما يستدعيه لحمل كتلة الأسفنج مع اتحادهما في الحجم إنها من قدرة الحق الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى . ثم إنك تلتفت إلى الحيوان فتجد الذكر والأنثى ، وتجد أن الجمال كله في ذكور الحيوان ، بينما لا يكون الأمر كذلك في إناث الحيوان ، والكثرة الغالبة هي من الإناث والقلة من الذكور ، ولا يقرب الذكر أنثاه إلا في موسم معين ، وإلى أن يأتي موسم التلقيح تنصرف الأنثى إلى إعداد العش وتهيئته لما عساه أن يوجد من نتاج ، وهذه العملية لحكمة عالية ربما تكون لبقاء نوع الحيوان حتى يعين الإنسان في إعمار الأرض . وفي عالم الطير نجد الطيور تبني العش بفن جميل لاستقبال الفرخ الذي خرج من البيض وتفرش له العش بأنعم الأشياء ، إنها تفعل ذلك بإتقان جيد وبصورة ربما يعجز البشر أن يعمل مثلها . ثم نجد في دنيا الحيوان والطير أن الكائن ما إن يبلغ القدرة على الاعتماد على نفسه فلا تعرف الأم ابنها من ابن غيرها . إذن فكل المخلوقات أمم أمثالنا أرزاقاً وآجالاً ، وأعمالاً ، فصدق الله إذ يقول : { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ } . وقد يكون المراد من الكتاب هنا هو اللوح المحفوظ ، ولكننا نقول : إنه القرآن ، وكل شيء موجود ومذكور أو مطمور في القرآن الكريم . وذكر القرآن أن هذه الأمم تعرف التوحيد ، وأنهم يسبحون لله . والعمل المعاصر يكتشف في كل دقيقة حقائق هذا الكون المنظم . ونجد العقل يهدينا إلى أن نوجد أشياء لصالح حياتنا ، ولكن عندما نتبع الهوى فإننا نفسد هذا الكون . إن الله - سبحانه - جعل للخادم من دواب الأرض نطاقًا للعمل والرزق والأجل بحكم الغريزة ، وكذلك جعل للطير ، ولكل الكائنات : ويقول الحق سبحانه وتعالى في محكم آياته الكريمة : { مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } [ الأنعام : 38 ] . إذن كل شيء يحشر يوم القيامة . ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه : " لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء " . أي أن الحق سبحانه يقتص من الشاة ذات القرون التي نطحت الشاة التي بلا قرون ويعوضها عن الألم الذي أصابها . وبعد أن يأخذ كل كائن من غير الإنس والجن حَقَّه يصير إلى تراب . أما الذين يسمعون ولا يستجيبون فهم المكذبون بالآيات ، ولذلك يقول عنهم الحق سبحانه وتعالى : { وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا … } .