Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 44-44)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
إنهم عندما نسوا ما جاءهم من تذكير الحق لهم بالمنهج والتوحيد من خلال الرسل إنه - سبحانه - يصيبهم بالعذاب الذي يفاجئهم به فيقعون في حيرة تأخذ عليهم ألبابهم وتشتت قلوبهم وتقطع رجاءهم . والرسل إنما تأتي لتذكر لأن الإيمان موجود بالفطرة . ولكن الغفلة هي التي تخفي الإيمان . والإنسان يحيا في كون مليء بالنعم ولا دخل لأحد بها ، ولا بد لأحد فيها ، ولم يدعها أحد لنفسه ، كان يجب على هذا الإنسان أن يعيش دائماً في رحاب الحمد لله ، مولى هذه النعمة . والتذكير من الحق لعباده يكون بالنعم أو الرسل الذين يأتون بالرسالات المتوالية . وهب أن إنساناً قد غفل عن نعمة الله في الطعام ، ثم جاءت لحظة الجوع ، فجلس يشتهي الطعام فمنحه الله ذلك الطعام فكيف ينسى لحظة الشبع من وهب له هذا الطعام . { فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ } إما أن يكون هو الإخبار بواسطة الرسل الذين يذكرون الناس بأن المنعم هو الله ، وأن الله أنزل المنهج ليصلح الكون به ، وإما أن يكون بواسطة النعم التي تمر على الإنسان في كل لحظة من اللحظات لأنها تنبه الإنسان إلى أن هناك من أعطاها . مثال ذلك ساعة يستر الإنسان عورته وجسده بلباس جميل ، ألا يتساءل عن الذي وهب الصانع تلك الموهبة التي صمم بها الزي . إذن كيف يأخذ الإنسان النعمة ولا يتذكر المنعم ؟ إن الله سبحانه لا يحرمهم من النعم ساعة أن تركوا شكرها ، بل يفتح عليهم أبواب كل شيء ، أي يعطيهم من النعم أكثر وأكثر ، فيترفون ويعيشون في ألوان من حياة العز والصحة والسعة والجاه والسيطرة والمكانة . ثم ما الذي يحدث ؟ { أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } . وقلنا من قبل هذا المثل الريفي : لا يقع أحد من فوق الحصير . ولكن الحق يعلي الكافر المشرك في بعض الأحيان ثم يأخذه بغتة فيقع ليكون الألم عظيماً . فإن رأيت إنساناً أسرف على نفسه ووسع الحق عليه في نظام الحياة . إياك أن تفتن وتقول : آه إن الكافر الظالم يركب أفخر السيارات ويعيش في أبهى القصور ، لا تقل ذلك لأنك سترى نهاية هذا الظالم البشعة . وانظر إلى دقة التعبير في قول الحق تبارك وتعالى : { فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ } لقد فتح عليهم … أي سلط عليهم ، لا فتح لهم ، ويقول الحق سبحانه في موقع آخر من القرآن الكريم : { إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً } [ الفتح : 1 ] . وهكذا نعرف أن الفتح لك غير الفتح عليك لأن الفتح على أحد يعني الاستدراج إلى إذلال قسري سوف يحدث له . ولذلك يقول الحق سبحانه وتعالى : { حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُّبْلِسُونَ } [ الأنعام : 44 ] . إن القبض يأتي لحظة الفرح . وكثيراً ما نرى مثل هذه الأحداث في الحياة ، نلتفت إلى كارثة تحدث للعريس أو العروس في يوم الزفاف . ويصدق قول الشاعر : @ مشت الحادثات في غرف الحمراء مشي النعي في دار عرس @@ وهذا يشرح القول الكريم : { حَتَّىٰ إِذَا فَرِحُواْ بِمَآ أُوتُوۤاْ أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً … } [ الأنعام : 44 ] . وعندما ندقق في كلمة : { بِمَآ أُوتُوۤاْ } فإننا نجد أن ما حصلوا عليه من نعمة إنما جاءهم كتمهيد إلهي ييسر هذه المسائل ، ثم يأخذهم الحق بغتة ، أي أن الحادث الضار يأتي بدون مقدمات لأن مجيء المقدمات قد يجعل الإنسان يتيقظ ويحتاط أو يتوقع ذلك . ونعرف أن الحق يقول في موقع آخر من القرآن الكريم : { قُلْ أَرَءَيْتَكُمْ إِنْ أَتَـٰكُمْ عَذَابُ ٱللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً … } [ الأنعام : 47 ] . أي أن العذاب قد يأتي مرة بغتة ، وقد يأتي مرة أخرى جهراً . والعذاب يأتي بغتة عقاباً ، ويأتي جهرة حتى لا يقولن أحد : لولا أنّ مجيء العذاب بغتة لكان قد احتاط لذلك الأمر . ويأتيهم العذاب وهم مبلسون أي يائسون لا منجى ولا منقذ ولا خلاص لهم . ويتابع الحق ما يحدث لهؤلاء : { فَقُطِعَ دَابِرُ ٱلْقَوْمِ … } .