Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 7-7)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا الكتاب - القرآن - لو نزل إلى هؤلاء المكذبين مكتوباً في ورق من المحس المشاهد فلمسوه بأيديهم لقالوا ما قاله كل مكذب ، إنه سحر ظاهر . وقد طالب المكذبون الرسول صلى الله عليه وسلم أن ينزل عليهم كتاباً من السماء ليقرأوه كشرط من ضمن شروط أخرى قال عنها الحق مصوراً جحودهم : { وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّىٰ تَفْجُرَ لَنَا مِنَ ٱلأَرْضِ يَنْبُوعاً * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ ٱلأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً * أَوْ تُسْقِطَ ٱلسَّمَآءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِٱللَّهِ وَٱلْمَلاۤئِكَةِ قَبِيلاً * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَىٰ فِي ٱلسَّمَآءِ وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 90 - 93 ] . فبعد أن وضح لهم إعجاز القرآن حاولوا زوراً ، واقترحوا من الآيات ليؤمنوا ، كان يفجر لهم الرسول صلى الله عليه وسلم ينبوعاً في أرض مكة لا ينقطع ماؤه ، أو يكون لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بستان من نخيل وعنب . تتخلله الأنهار ، أو أن يدعو رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تُنزل السماء عليهم قطعاً كعذاب شديد ، أو أن يتجسد لهم الله والملائكة ليَروْهم رأي العين ، أو أن يكون لرسول الله بيت من ذهب مزخرف ، أو أن يصعد إلى السماء ويأتيهم بكتاب من الله يقرر صدق رسالته ، ولكن الله برحمته واتساع حنانه ينزه ذاته أن يتحكم فيه أحد أو أن يشاركه في قدرته فيعلن لهم على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم قوله - سبحانه وتعالى - : { قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إِلاَّ بَشَراً رَّسُولاً } [ الإسراء : 93 ] . لأن الذي يبعث الآيات هو رب العالمين ، ولا أحد يجرؤ أن يفرض على الله آياته . ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو مُستَقْبِل لآيات الله لا مقترح للآيات ، ذلك أنه صلى الله عليه وسلم يعلم أن من يقترح على الله آية ثم تأتي فيكذب بها يصيبه ويناله الهلاك ، هذه سنة الله ، ورسول الله يعلم أنه النبي الخاتم لذلك لن يطلب أي آية من الله حتى لا ينزل عقاب الله من بعدها إن كذبوا بها . ويبلغ الحق رسوله عتو المتجبرين المنكرين واستكبارهم . { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } . الحق يعلم أن قلوب بعض المنكرين قد صارت غفلاً لا يدخلها الإيمان ولا يخرج منها الباطل - كما أراد هو لهم - فلو نزَّل إليهم كتاباً في قرطاس ليكون في مجال رؤية العين ولمسوه بأيديهم فلن يؤمنوا . ويأتي أمر لمس الكتاب بالأيدي لأن اللمس هو الحاسة التي يشترك فيها الجميع حتى الأعمى منهم ، وبرغم ذلك فسيكذبون قائلين : { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ } ومثل هذا الرد لا ينبع عن عقل أو تدبر أو حكمة . ولا يتناسب مع القوم الذين عُرفوا بالبلاغة والفصاحة ، وبحسن القول وصياغته لأن السحر إنما يغير من رؤية الناس للواقع ، وما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم متهماً بالسحر منهم فلماذا لم يسحرهم هم ، ولماذا استعصوا هم بالذات على السحر ؟ والمسحور ليس له عمل ولا إرادة مع الساحر ، ولو كان محمد صلى الله عليه وسلم ساحراً لصنع من السحر ما يجعلهم يؤمنون . إن من العجيب وهم أبصر الناس بفن القول ، وهم أهل النبوغ في الأداء ، ويعرفون القول الفصل والرأي الصحيح ويميزون بين فنون القول : خطابةً ، وكتابةً ، ونثراً ، وشعراً ، والقول المسجوع ، والقول المرسل ، من العجيب أنهم يقفون أمام معجزة القرآن مبهوتين لا يعرفون من أمرهم رشداً ، فمرة يقولون إنه سحر ، ومرة يقولون : إنه كلام كهنة ، وثالثة يقولون : إنه كلام مجنون . والقرآن ليس بسحر ، لأنه يملك من البيان ما يملكون وفوق ما يملكون ويحسنون ، ولا يفعل رسول الله معهم ما يجعلهم يؤمنون على الرغم منهم ، وليس القرآن كذلك بكلام كهنة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نشأ بينهم ويعلمون أنه الصادق الأمين الذي لم يتلق علماً من أحد ، فضلا عن أن كلام الكهان له سمت خاص وسجع معروف ، والقرآن ليس كذلك . ويعلمون أنه كلام رجل عاقل ، فكلام المجنون لا ينسجم مع بعضه ، وها هوذا الحق يقول في رسول الله صلى الله عليه وسلم : { مَآ أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ * وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ * وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } [ القلم : 2 - 4 ] . وقد أعد الله رسوله ليستقبل النبوة بقوة الفعل ، لا بسفه الرأي ، وله في إبلاغ رسالة ربه ثوابٌ لا مقطوع ولا ممنوع ، وهو على الخُلق العظيم . والخُلُقُ العظيم - كما نعلم - هو استقبال الأحداث بملكات متساوية وليست متعارضة ولا يملك ذلك إلا عاقل . وقد شهدوا هم بخُلُق محمد صلى الله عليه وسلم ، فكيف يأتي هذا الخلق العظيم من مجنون ؟ وكيف يصدر السلوك المتصف بالسلامة والصلاح والخير من مجنون ؟ كانت - إذن - كل اتهاماتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم تنبع من إصرارهم على الكفر ، لا من واقع لمسوه ، فكل ما قالوه في رسول الله هم أول الناس الذين شهدوا عكسه ولمسوا نقيضه . وجاءوا - إصراراً على الكفر - يطلبون أية أخرى : { وَقَالُواْ لَوْلاۤ أُنزِلَ … } .