Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 6-6)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
هذا ما شاهدته قريش في رحلات الشتاء والصيف . رأوا آثار عاد قوم هود وبقايا ثمود قوم صالح . وكانت إمكانات عاد وثمود أكبر من إمكانات قريش . إن قريشاً لا سيادة لها إلا بسبب وجود الكعبة ، ولو كان الحق ترك أبرهة يهدم الكعبة لما مكن لهم في الأرض . ها هي ذي حضارات قد سبقت وأبادها الحق سبحانه وتعالى : ويوضح القرآن ذلك : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ ٱلْعِمَادِ * ٱلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي ٱلْبِلاَدِ * وَثَمُودَ ٱلَّذِينَ جَابُواْ ٱلصَّخْرَ بِٱلْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِى ٱلأَوْتَادِ * ٱلَّذِينَ طَغَوْاْ فِي ٱلْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُواْ فِيهَا ٱلْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } [ الفجر : 6 - 13 ] . إنها حضارات كبيرة لهم صيت وخبر في آذان الدنيا مثل حضارة الفراعنة . وكل ذلك الصولجان لا يحميه أحد من أمر الله . وزالت الحضارات وأصبحت أثراً بعد عين ، وصدق عليها قول الحق : { فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ ٱلصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ ٱلأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } [ العنكبوت : 40 ] . والحق يجازي كل كافر الجزاء الوافي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخبر قومه بما حدث لغيرهم من أقوام آخرين { أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ } والقرن عادة هو الجيل الذي يحكمه زمن محدود أو حال محدود ، فإن نظرنا إلى الزمن فالقرن مائة سنة كأقصى ما يمكن ، والجيل الذي يعيش هذا القدر يرى حفيده وقد صار رجلاً . ونعلم أن نوحاً عليه السلام عاش تسعمائة وخمسين سنة . يقول سبحانه : { وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً } [ العنكبوت : 14 ] . وحياة نوح على طولها تسمى قرناً . إذن فالقرن هو جيل يجمعه ضابط إما زمني وإما معنوي ، والقرن الزمني مدته مائة سنة ، أما القرن المعنوي فقد يكون عمر رسالة أو مُلْك . ويخبر الحق أهل الكفر بأنه قد قدر على غيرهم وأبادهم بعد أن مكن لهم في الأرض وذلك بألوان مختلفة من أنواع التمكين : { وَأَرْسَلْنَا ٱلسَّمَآءَ عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا ٱلأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ } ، وهذا الخبر يأتي من السماء بما حدث لقوم سابقين مثل قوم سبأ ، فقد قال عنهم الحق في موضع آخر من القرآن الكريم : { لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُواْ مِن رِّزْقِ رَبِّكُمْ وَٱشْكُرُواْ لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ } [ سبأ : 15 ] . ومسكن سبأ باليمن آية دالة على قدرة الله حديقتان وارفتان عن يمين وشمال ليأكل أهل سبأ من رزق الله ويشكروا نعمة الله . وكان لهم سد مأرب ، ووهبهم الله القدرة لبنائه ، فقطعوا من الجبال التي ليس لهم عمل فيها ليحجزوا ماء المطر الساقط من السماء ، كل شيء إذن فعلوه وإنما فعلوه لأن الله قد أراده ، وهم أعرضوا عن أمرين : عن الرزق الوفير الذي منحهم الله إياه وأرادوا أن يعتمدوا على أنفسهم كما فعل قارون حيث قال : { إِنَّمَآ أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِيۤ } [ القصص : 78 ] . ظنوا أنهم قادرون على رزق أنفسهم وكذلك لم يشكروا الله ، ولذلك أرسل الله عليهم سيل العرم ، أي أنه عقاب من جنس العمل ، وهكذا تكون عاقبة الإعراض والكفر بنعم الله . فقد سلط الله عليهم حيوانا من أضعف الحيوانات وأحقرها وهو الفأر فنقب السد فأغرق أموالهم ودفن بيوتهم . ويخبر الحق رسوله بكل هذه الأخبار ليلفت بها وينبه إليها قوماً رأوا آثار حضارة عاد وثمود ، والرؤية سيدة الأدلة ، وطالبهم الرسول بها حتى يعرفوا عاقبة الإعراض والتكذيب والاستهزاء ، ولم يطلب الحق من رسوله إلا البلاغ فقط ، أما إيمان القوم فليس مكلفاً به صلى الله عليه وسلم ، إن هؤلاء قد خافوا من سيطرة " لا إله إلا الله " فهم الذين صنعوا من أنفسهم آلهة وتسلط بعضهم على بعض . فتخيل القوي أنه إله على الضعيف . وتخيل الغني أنه إله على الفقير ، وتخيل العالم أنه إله على الجاهل ، أما " لا إله إلا الله " فهي تساوي بين الناس جميعاً ، وهم يرفضون ذلك لأنهم يريدون السيادة … ومثال ذلك قولهم : { وَقَالُواْ لَوْلاَ نُزِّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] . فهم لم يجرؤوا على الطعن في القرآن ، إنما طلبوا أن تكون السيادة لغني من أغنياء القريتين مكة أو الطائف وتناقض هذا القول مع عملهم وسلوكهم مع الرسول ، فقد حفظوا كل نفيس حرصوا عليه عند محمد صلى الله عليه وسلم . ولو كان الواحد منهم يرى شيئاً أو مغمزاً في أمانة رسول الله لما فعلوا ذلك . ولكن الواحد منهم بالرغم من التكذيب بمحمد لم يكن يأتمن إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالإنسان حينما تقع مصلحته أمام تكذيبه فهو يغلب مصلحته على تكذيبه . ويبين الحق سبحانه أن إعراض هؤلاء ، وتكذيب هؤلاء واستهزاء هؤلاء ، لا يمت إلى حقيقة أمرك يا رسول الله ، ولا إلى حقيقة القرآن في شيء ، وإنما هو العناد ، مثلهم مثل آل فرعون الذين جحدوا آيات الله على الرغم من أن أعماقهم رأت هذه الآيات بيقين لا تكذيب فيه . { وَجَحَدُواْ بِهَا وَٱسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوّاً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ } [ النمل : 14 ] . فقد أنكر قوم فرعون رسالة موسى عليه السلام مع أنهم تأكدوا من صدقها ، ولكنهم أنكروها بالاستكبار والعلو والظلم ، فكانت عاقبتهم من أسوأ العواقب ، وهذا هو حال المنكرين دائماً لأيات الله . وها هم أولاء منكرون جدد لرسالة رسول الله . يقول الحق سبحانه وتعالى فيهم : { وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً … } .