Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 6, Ayat: 81-81)
Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
يقول لهم سيدنا إبراهيم : أنا لا أخاف إلا الله ، ولا أخاف ما أشركتم أنتم به مما لا يضر ولا ينفع . و " كيف " هنا تأتي للتعجيب لأن المنطق أن نخاف من الله وحده الذي يضر وينفع . وحين تدور مجادلة تستيقظ في كل طرف ذاتية المجادل ، وهناك من يستنكفون من الحق ، ليس لأنه حق لكن لخوفهم أن ينهزموا أمام واحد مثيل لهم ، ومن يريد أن يصل إلى الحقيقة بدون استعلاء لا يعطي الحكم بما يحرك الذاتية في الخصم المجادل لذلك لم يقل سيدنا إبراهيم : أنا أم أنتم أحق بالأمن ؟ بل قال : { فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ } مثلما علم ربنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقول : { وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَىٰ هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } [ سبأ : 24 ] . وهذا منتهى الحيدة في الجدل ، فلم يصرح بأن منهجهم هو الضلال وأن منهجه هو الصواب المستقيم ثقة منه أنهم حين يستعرضون منهجه ويستعرضون منهجهم سيحكمون بأنه صلى الله عليه وسلم على هدى وأنهم على ضلال . وهذا هو الجدل الارتقائي ، مثلما يعلم الحق رسوله ليقول لخصومه : { قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [ سبأ : 25 ] . هل يفعل الرسول جرائم ؟ حاشا لله أن يفعل ذلك فهو المعصوم . وكأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لهم : اسألوا عني إن كنت أجرّمت ولم يقل لهم وصفا لأعمالهم : " ولا نسأل عما تجرمون " بل قال : { وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ } [ سبأ : 25 ] . فلم يأت بمسألة الإجرام بالنسبة لهم وجاء بها بالنسبة له ، لأنه واثق أنهم إن أعادوا دراسة القضية فكرياً وعقدياً وعاطفياً فسينتهون إلى الإيمان بمنهجه . وهذا منتهى اللطف في الجدل . ويتجلى اللطف في الجدل في قوله الحق : { فَأَيُّ ٱلْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِٱلأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ الأنعام : 81 ] . والعِلْمُ هو أن تأخذ قضية تعتقدها ولها واقع وتستطيع أن تدلل عليها ، وإن اختل شرط فيها فهذا خروج عن العلم ، ومثال ذلك ألفاظ اللغة كل لفظ وضع لمعنى ، وساعة تسمع اللفظ وأنت تعرف اللغة تفهم المعنى فحين أقول : الشمس . تتصور أنت الشمس في ذهنك ، وكذلك الأرض والماء والجبل . فأنت عرفت مدلول هذه الألفاظ بدون أن تكون هناك نسبة . ونعلم أن هناك فرقاً بين معنى اللفظ مفرداً ، وما يعطيه ويفيده اللفظ إذا جاء في نسبة . فإذا جاء اللفظ في نسبة فلا بد أن توجد قضية ، فإذا قلنا الشمس محجوبة بالغيم فهذه قضية ، أو قلنا : الشمس تغيب فهذه قضية أخرى وهنا نسبنا شيئاً لشيء ، ولكننا قبل أن نأتي بالقضايا النسبية لا بد أن يكون للفظ معنى في ذاته ، وهذه اسمها معاني اللغة ، وتضم من خلالها لفظا إلى لفظ فتنشأ نسبة أو قضية شريطة أن نعرف معنى مفرداتها ، وبعد ذلك نعرف النسب ، وهي ما نقول عنه : مبتدأ وخبر ، موضوع ومحمول ، مسند ومسند إليه ، فعل وفاعل أي أمر منسوب إلى أمر . والعلم - كما قلنا - هو قضية واقعية ، تعتقدها وتستطيع أن تدلل عليها . وإن اختل أمر من هذا لا يكون علماً ، فإن كنت تعتقد في قضية إلا أنها غير واقعية ، فهذا كذب . وعندما أقول : إن هناك من يعتقدون أن الأرض كروية فهل الواقع كذلك أولا ؟ . وإن كنت تعتقد شيئاً وهو واقع ، ولم تستطع أن تدلل عليه فهذا تقليد ، وإن لم يكن الشيء متيقنا وقد تساوى فيه الطرفان فهذا هو الشك . وإن كان هناك طرف راجح عن طرف آخر فهو الظن . والطرف المرجوح هو ما يسمّى بالوهم . وكل قضايا نسبية لا تخرج عن هذه . وقول إبراهيم : { إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي تتيقنون من قضية نسبية واقعة معتقدة تستطيعون أن تدللوا عليها . ويقول الحق بعد ذلك : { ٱلَّذِينَ آمَنُواْ … } .