Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 80-80)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وحاجّه أي حاججه بإدغام الجيمين في بعضهما . أي أن كل طرف يقول حجة والطرف الآخر يرد عليه بالحجة ، فإذا كنت في نقاش وكل واحد يدلي بحجته ، فهذا اسمه الحجاج ، أو الجدل المبطل ، أي أنك تبطل كلامه وهو يبطل كلامك . { وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } [ الأنعام : 80 ] . وإذا كان إبراهيم قد جادلهم بمجاراة أفكارهم وأثبت بطلانها ، فكيف يجادلونه إذن ؟ . كأن الغرض من الحِجاج صرف إبراهيم عن دينه الحنيف الذي ارتآه في قوله سبحانه : { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ ٱلسَّمَاوَاتِ وَٱلأَرْضَ حَنِيفاً وَمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } [ الأنعام : 79 ] . ويرد عليهم : { أَتُحَاجُّوۤنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ } [ الأنعام : 80 ] . أي أن مسألة الإيمان قد حُسمت . فقد آمن إبراهيم بالله ويعلن للقوم : { وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً } وهذا القول يدل على أنهم قد هددوه لأن كلمة " الخوف " جاءت ونفاها عن نفسه . ويعلنها إبراهيم قوية : { وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ } أي لا أخاف من الكواكب التي تأفل سواء أكانت نجماً أم قمراً أم شمساً أم تلك الأصنام التي تعبدونها فليس لها نفع ولا ضر ، والضر والنفع هما من صنع الله فقط . ولذلك تتجلى الدقة في الأداء العقدي فيقول الحق على لسان إبراهيم عليه السلام : { وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } [ الأنعام : 80 ] . فإن شاء الحق أن يُنزل على عبدٍ كوكباً يصعقه أو يحرقه فهذا موضع آخر لا دخل لمن يعبد الكواكب به ، ولا دخل للكواكب فيه أيضا لأن النافع والضار هو الله ، فحين يشاء الله الضر ، يأتي الضر ، وحين يشاء النفع يأتي النفع . { إِلاَّ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيْئاً } [ الأنعام : 80 ] . أي اذكروا جيداً ، وافرقوا بين فعل يقع من فاعل ، وفعل يقع من آلة فاعلها غير تلك الآلة ، فحين يشاء الله أن يوقع على إنسان كوكباً ، أو صخرة فليست الصخرة هي التي صنعت وقوعها ، ولا الكوكب هو الذي أسقط نفسه ، إنما الفاعل هو الله : { وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } [ الأنعام : 80 ] . وقوله { أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ } يدل على أن قضايا العقائد مأخوذة بالفطرة ، وإقبال النفس على الشهوات هو ما يطمس آثار هذه الفطرة ، فليس المطلوب منك أيها الإنسان إنشاء فكرة عقدية بل المطلوب منك أن تتذكر فقط ، والتذكر أمر فطري طبيعي لأن الإنسان الخليفة في الأرض هو الذي تناسل من آدم إلى أن وصل إلينا فقد جاء آدم إلى الأرض ومعه منهج سماوي ينظم به حركة الحياة ، ولقن آدم المنهج لأولاده ، وكذلك فعل أبناء آدم مع أولادهم ، ولكن المناهج تنطمس لأن المناهج تتدخل في أهواء الناس وتثنيهم عن شهواتهم وتصدهم عن المفاسد فيعرضون عنها أو يتجاهلونها ، إذن فهي عرضة أن تُنسى ، والرسالات إنما تذكر بالمنهج الأصلي الذي أخذناه عن الحق سبحانه وتعالى ، لذلك يعلنها إبراهيم : { وَكَيْفَ أَخَافُ مَآ أَشْرَكْتُمْ … } .