Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 6, Ayat: 88-88)

Tafsir: Ḫawāṭir Muḥammad Mutawallī aš-Šaʿrawī

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

" ذلك " إشارة إلى شيء تقدم ، والمقصود به الهدى الذي هدينا به القوم ، وهو هدى الله . ونجد كلمة " هدى " تدل على الغاية المرسوم لها طريق قصير يوصل إليها ، وربنا هو الذي خلق ، وهو الذي يضع الغاية ، ويضع ويوضح ويبيِّن الطريق إلى الغاية ، وحين يضاف الهدى إلى الله فهو دلالة على المنبع والمصدر أي هدى من الله . وكلمة " هدى " مرة تضاف إلى الواهب وهو الحق ، وتضاف إلى الأنبياء . يقول الحق : { فَبِهُدَاهُمُ ٱقْتَدِهْ } [ الأنعام : 90 ] . وذلك إشارة إلى المنهج الذي أنزله الله على الرسل . إذن فالحق سبحانه وتعالى يهدي الناس جميعاً بدلالتهم على الخير ، والذي يقبل على هذه الدلالة احتراماً لإيمانه يعينه الله ، ويزيده هدى ، وسبحانه يريد أن يثبت للإنسان أنه جعله مختاراً ، فإن اخترت أي شيء فأنت لم تختره غصباً عن ربنا ، إنما اخترته بمن خلقك مختاراً . ولا يوجد فعل في الكون يحدث على غير مراد الله ، ولو أراد الله الناس جميعاً مهديين لما استطاع واحد أن يعصي ، إنما أرادهم مختارين ، وكل فعل يفعله أي واحد منهم ، فهو مراد من الله لكنّه قد يكون مرادًا غير محبوب ، ولذلك قال العلماء : إن هناك مراداً كوناً ، ومراداً شرعاً . وما دام الشيء في ملك الله فهو مراد الله ، والمراد الشرعي هو المأمور به ، وما يختلف عن ذلك فهو مراد كوني ، جاء من باب أنه خلقك مختاراً . ومثال ذلك - ولله المثل الأعلى - أنت تعطي ابنك جنيهاً ، والجنيه قوة شرائية . فأخذ الجنيه ونزل السوق وهو حر ليتصرف به ، وتقول له : اسمع . إن اشتريت به مصحفاً أو كتاباً جميلاً أو بعضاً من الحلوى وأكلتها أنت وإخوتك فسأكون مسروراً منك وسأكافئك مكافأة طيبة ، وإن اشتريت " كوتشينة " ، أو صرفت الجنيه فيما لا أرضى عنه فسوف أغضب منك ولن أعطيك نقوداً . أنت بهذا القول أعطيت ابنك الحرية . وساعة ينزل السوق ويشتري " كوتشينة " فهو لم يفعل ذلك قهراً عنك لأنك أنت الذي أعطيته الاختيار ، لكنك قلت له : إنك تطلب منه أن يحسن الاختيار ، وسبحانه وتعالى قد جعل الإنسان مختاراً ، فإن اختار الهداية أجزل له العطاء ، وإن اختار الضلال عاقبه عليه . وبالنسبة للأنبياء جاءت لهم الهداية من الله دلالة لهم وأقبلوا على مرادات الحق فأعطاهم هداية أخرى وذلك بأن يعشّقهم في العمل ويحبب إليهم فعل الخير ، وبعد ذلك يوضح سبحانه : إياكم أن تظنوا أن هناك من يفلت مني لأنهم لو أشركوا لأحبطت أعمالهم . إذن فالحق لم يخلق الخلق مرغمين على عمل الطاعة بل خلقهم مختارين في التكاليف ، حتى ينالوا لذة اختيار منهج الله ولو أشركوا لحبط عملهم و " لو " حرف امتناع لامتناع ، وهذا دليل على أنهم لم يشركوا ولذلك لم يحبط عملهم ، و " الحبط " هو الإبطال للعمل . ويقول الحق بعد ذلك : { أُوْلَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ … } .